ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ولقد قال لهم هارون من قبل جملة قسمية مؤكدة لما قبلها من الإنكار والتشنيع ببيان عتوهم واستعصائهم على الرسول ، إثر بيان مكابرتهم لقضية
[ ص: 37 ] العقول ، أي : وبالله لقد نصح لهم
هارون ونبههم على كنه الأمر من قبل رجوع موسى عليه السلام إليهم وخطابه إياهم بما ذكر من المقالات . وقيل من قبل قول
السامري ، كأنه عليه السلام أو وما أبصره حين طلع من الحفيرة توهم منهم الافتتان به فسارع إلى تحذيرهم ، وقال لهم :
يا قوم إنما فتنتم به أي : أوقعتم في الفتنة بالعجل ، أو أضللتم به على توجيه القصر المستفاد من كلمة "إنما" إلى نفس الفعل بالقياس إلى مقابله الذي يدعيه القوم لا إلى قيده المذكور بالقياس إلى قيد آخر ، على معنى إنما فعل بكم الفتنة لا الإرشاد إلى الحق ، لا على معنى إنما فتنتم بالعجل لا بغيره .
وقوله تعالى :
وإن ربكم الرحمن بكسر "إن" عطفا على "إنما" إرشاد لهم إلى الحق إثر زجرهم عن الباطل ، والتعرض لعنوان الربوبية والرحمة للاعتناء باستمالتهم إلى الحق ، كما أن التعرض لوصف العجل للاهتمام بالزجر عن الباطل ، أي : إن ربكم المستحق للعبادة هو الرحمن لا غير . والفاء في قوله تعالى :
فاتبعوني لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين ، أي : إذا كان الأمر كذلك فاتبعوني في الثبات على الدين
وأطيعوا أمري هذا واتركوا عبادة ما عرفتم شأنه .