وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين وجعلنا ابن مريم وأمه آية وأية آية دالة على عظيم قدرتنا بولادته منها من غير مسيس بشر ، فالآية أمر واحد نسب إليهما . أو جعلنا
ابن مريم آية بأن تكلم في المهد فظهرت منه معجزات جمة ، وأمه آية بأنها ولدته من غير مسيس فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها . والتعبير عنهما بما ذكر من العنوانين وهما كونه عليه الصلاة والسلام ابنها وكونها أمه عليه الصلاة والسلام للإيذان من أول الأمر بحيثية كونهما آية ، فإن نسبته عليه الصلاة والسلام إليها مع أن النسب إلى الآباء دالة على أن لا أب له ، أي : جعلنا
ابن مريم وحدها من غير أن يكون له أب وأمه التي ولدته خاصة من غير مشاركة الأب آية ، وتقديمه عليه الصلاة والسلام لأصالته فيما ذكر من كونه آية ، كما أن تقديم أمه في قوله تعالى :
وجعلناها وابنها آية للعالمين لأصالتها فيما نسب إليها من الإحصان والنفخ .
وآويناهما إلى ربوة أي : أرض مرتفعة . قيل : هي
إيليا أرض بيت المقدس ، فإنها مرتفعة وأنها كبد الأرض وأقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا على ما يروى عن كعب . وقيل :
دمشق وغوطتها ، وقيل :
فلسطين والرملة ، وقيل :
مصر ، فإن قراها على الربا . وقرئ بكسر الراء وضمها ، و"رباوة" بالكسر والضم .
ذات قرار مستقر من أرض منبسطة سهلة يستقر عليها ساكنوها ، وقيل : ذات ثمار وزروع لأجلها يستقر فيها ساكنوها .
ومعين أي : وماء معين ظاهر جار فعيل من معن الماء : إذا جرى ، وأصله : الإبعاد في المشي ، أو من الماعون
[ ص: 138 ] وهو النفع لأنه نفاع ، أو مفعول من عانه إذا أدركه بالعين فإنه لظهوره يدرك بالعيون . وصف ماؤها بذلك للإيذان بكونه جامعا لفنون المنافع من الشرب وسقي ما يسقى من الحيوان والنبات بغير كلفة ، والتنـزه بمنظره الموفق .