[ ص: 208 ] ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ويوم يحشرهم نصب على أنه مفعول لمضمر مقدم معطوف على قوله تعالى :
"قل أذلك ..." إلخ ، أي : واذكر لهم بعد التقريع والتحسير يوم يحشرهم الله عز وجل . وتعليق التذكير باليوم مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث الهائلة قد مر وجهه غير مرة ، أو على أنه ظرف لمضمر مؤخر قد حذف للتنبيه على كمال هوله وفظاعة ما فيه والإيذان بقصور العبارة عن بيانه ، أي : يوم يحشرهم يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي ببيانه المقال . وقرئ بنون العظمة بطريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم وبكسر الشين أيضا .
وما يعبدون من دون الله أريد به ما يعم العقلاء وغيرهم إما لأن كلمة "ما" موضوعة للكل كما ينبئ عنه أنك إذا رأيت شبحا من بعيد تقول : ما هو أو لأنه أريد به الوصف لا الذات ، كأنه قيل : ومعبوديهم أو لتغليب الأصنام على غيرها تنبيها على أنهم مثلها في السقوط عن رتبة المعبودية ، أو اعتبارا لغلبة عبدتها أو أريد به الملائكة
والمسيح وعزير بقرينة السؤال والجواب ، أو الأصنام ينطقها الله تعالى ، أو تكلم بلسان الحال كما قيل في شهادة الأيدي والأرجل .
فيقول أي : الله عز وجل للمعبودين إثر حشر الكل تقريعا للعبدة وتبكيتا لهم ، وقرئ بالنون كما عطف عليه ، وقرئ هذا بالياء والأول بالنون على طريق الالتفات إلى الغيبة .
أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء بأن دعوتموهم إلى عبادتكم كما في قوله تعالى :
أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله .
أم هم ضلوا السبيل أي : عن السبيل بأنفسهم لإخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد فحذف الجار وأوصل الفعل إلى المفعول كقوله تعالى :
وهو يهدي السبيل والأصل : إلى السبيل أو للسبيل ، وتقديم الضميرين على الفعلين لأن المقصود بالسؤال هو المتصدي للفعل لا نفسه .