وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين
وقوله تعالى :
وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين بيان لشدة شكيمتهم وعدم ارعوائهم عما كانوا عليه من الكفر والتكذيب بغير ما ذكر من الآية الملجئة لصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرص على إسلامهم وقطع رجائه عنه ، و"من" الأولى مزيدة لتأكيد العموم ، والثانية لابتداء الغاية مجازا متعلقة بيأتيهم أو بمحذوف هو صفة الذكر ، وأياما كان ففيه دلالة على فضله وشرفه وشناعة ما فعلوا به . والتعرض لعنوان الرحمة لتغليظ شناعتهم وتهويل جنايتهم ، فإن الإعراض عما يأتيهم من جنابه عز وجل على الإطلاق شنيع قبيح وعما يأتيهم بموجب رحمته تعالى المحض منفعتهم أشنع وأقبح ، أي : ما يأتيهم من موعظة من المواعظ القرآنية أو من طائفة نازلة من القرآن تذكرهم أكمل تذكير وتنبههم عن الغفلة أتم تنبيه كأنها نفس الذكر من جهته تعالى بمقتضى رحمته الواسعة مجدد تنزيله حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة إلا جددوا إعراضا عنه على وجه التكذيب والاستهزاء وإصرارا على ما كانوا عليه من الكفر والضلال . والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال محله النصب على الحالية من مفعول "يأتيهم" بإضمار "قد" أو بدونه على الخلاف المشهور ، أي : ما يأتيهم من ذكر في حال من الأحوال إلا حال كونهم معرضين عنه .