إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين إن في ذلك أي : في جميع ما فصل مما صدر عن
موسى عليه السلام وظهر على يديه من المعجزات القاهرة ، ومما فعل
فرعون وقومه من الأقوال والأفعال ، وما فعل بهم من العذاب والنكال ، وما في اسم الإشارة من معنى البعد لتهويل أمر المشار إليه وتفظيعه كتنكير الآية في قوله تعالى :
لآية أي : أية آية ، أو آية عظيمة لا تكاد توصف موجبة لأن يعتبر بها المعتبرون ويقيسوا شأن النبي صلى الله عليه وسلم بشأن
موسى عليه السلام ، وحال أنفسهم بحال أولئك المهلكين ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطونه من الكفر والمعاصي ومخالفة الرسول ويؤمنوا بالله تعالى ويطيعوا رسوله كيلا يحل بهم مثل ما حل بأولئك ، أو إن فيما فصل من القصة من حيث حكايته عليه الصلاة والسلام إياها على ما هي عليه من غير أن يسمعها من أحد لآية عظيمة دالة على أن ذلك بطريق الوحي الصادق موجبة للإيمان بالله تعالى وحده وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام .
وما كان أكثرهم أي : أكثر هؤلاء الذين سمعوا قصتهم منه عليه الصلاة والسلام
مؤمنين لا بأن يقيسوا شأنه بشأن
موسى عليهما السلام وحال أنفسهم بحال أولئك المكذبين المهلكين ، ولا بأن يتدبروا في حكايته عليه الصلاة والسلام لقصتهم من غير أن يسمعها من أحد مع كون كل من الطريقين مما يؤدي إلى الإيمان قطعا . ومعنى : "ما كان أكثرهم مؤمنين" : وما أكثرهم مؤمنين ، على أن كان زائدة كما هو رأي سيبويه فيكون كقوله تعالى :
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وهو إخبار منه تعالى بما سيكون من المشركين بعد ما سمعوا الآيات الناطقة بالقصة تقريرا لما مر من قوله تعالى :
وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين فقد كذبوا ... إلخ . وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرارهم على عدم الإيمان واستمرارهم عليه ، ويجوز أن يجعل "كان" بمعنى "صار" كما فعل ذلك في قوله تعالى :
وكان من الكافرين فالمعنى : وما صار أكثرهم مؤمنين مع ما سمعوا من الآية العظيمة الموجبة له بما ذكر من الطرفين ، فيكون الإخبار بعدم الصيرورة قبل الحدوث للدلالة على كمال تحققه وتقرره كقوله تعالى :
أتى أمر الله ... الآية .