فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد فإن حاجوك أي: في كون الدين عند الله الإسلام، أو جادلوك فيه بعد ما أقمت عليهم الحجج.
فقل أسلمت وجهي أي: أخلصت نفسي وقلبي وجملتي، وإنما عبر عنها بالوجه لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والمشاعر ومجمع معظم ما يقع به العبادة من السجود والقراءة وبه يحصل التوجه إلى كل شيء.
لله لا أشرك به فيها غيره، وهو الدين القويم الذي قامت عليه الحجج، ودعت إليه الآيات والرسل عليهم السلام.
ومن اتبعن عطف على المتصل في أسلمت وحسن ذلك لمكان الفصل الجاري
[ ص: 19 ] مجرى التأكيد بالمنفصل، أي: وأسلم من اتبعني أو مفعول معه.
وقل للذين أوتوا الكتاب أي: من اليهود والنصارى، وضع الموصول موضع الضمير لرعاية التقابل بين وصفي المتعاطفين.
والأميين أي: الذين لا كتاب لهم من مشركي
العرب. أأسلمتم متبعين لي كما فعل المؤمنون، فإنه قد أتاكم من البينات ما يوجبه ويقتضيه لا محالة، فهل أسلمتم وعملتم بقضيتها أو أنتم على كفركم بعد، كما يقول من لخص لصاحبه المسألة ولم يدع من طرق التوضيح والبيان مسلكا إلا سلكه فهل فهمتها على منهاج قوله تعالى:
فهل أنتم منتهون . إثر تفصيل الصوارف عن تعاطي الخمر والميسر وفيه من استقصارهم وتعييرهم بالمعاندة وقلة الإنصاف وتوبيخهم بالبلادة وكلة القريحة ما لا يخفى.
فإن أسلموا أي: كما أسلمتم وإنما لم يصرح به، كما في قوله تعالى:
فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به حسما لباب إطلاق اسم الإسلام على شيء آخر بالكلية.
فقد اهتدوا أي: فازوا بالحظ الأوفر ونجوا عن مهاوي الضلال.
وإن تولوا أي: أعرضوا عن الاتباع وقبول الإسلام.
فإنما عليك البلاغ قائم مقام الجواب، أي: لم يضروك شيئا، إذ ما عليك إلا البلاغ وقد فعلت على أبلغ وجه. روي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الآية على أهل الكتاب قالوا: أسلمنا، فقال عليه السلام لليهود: أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله، فقالوا: معاذ الله، وقال عليه الصلاة والسلام: للنصارى: أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله، فقالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبدا، وذلك قوله عز وجل وإن تولوا.
والله بصير بالعباد عالم بجميع أحوالهم، وهو تذييل فيه وعد ووعيد.