ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها مقدر بقول معطوف على ما قدر قبل قوله تعالى:
"ربنا أبصرنا"... إلخ. أي: ونقول لو شئنا، أي: لو تعلقت مشيئتنا تعلقا فعليا بأن نعطي كل نفس من النفوس البرة والفاجرة ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح، لأعطيناها إياه في الدنيا التي هي دار الكسب، وما أخرناه إلى دار الجزاء.
ولكن حق القول مني أي: سبقت كلمتي حيث قلت لإبليس عند قوله:
لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين وهو المعني بقوله تعالى:
لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين كما يلوح به تقديم الجنة على الناس فبموجب ذلك القول لم نشأ إعطاء الهدى على العموم بل منعناه من أتباع إبليس الذين أنتم من جملتهم حيث صرفتم اختياركم إلى الغي بإغوائه، ومشيئتنا لأفعال العباد منوطة باختيارهم إياها، فلما لم تختاروا الهدى واخترتم الضلالة لم نشأ إعطاءه لكم، وإنما أعطيناه الذين اختاروه من النفوس البرة وهم المعنيون بما سيأتي من قوله تعالى:
إنما يؤمن بآياتنا ... الآية. فيكون مناط عدم مشيئة إعطاء الهدى في الحقيقة سوء اختيارهم لا تحقق القول، وإنما قيدنا المشيئة بما مر من التعليق الفعلي بأفعال العباد عند حدوثها; لأن المشيئة الأزلية من حيث تعلقها بما سيكون من أفعالهم إجمالا متقدمة على تحقق كلمة العذاب فلا يكون عدمها منوطا بتحققها، وإنما مناطه علمه تعالى أزلا بصرف
[ ص: 84 ] اختيارهم فيما سيأتي إلى الغي، وإيثارهم له على الهدى فلو أريدت هي من تلك الحيثية لاستدرك بعدمها، ونيط ذلك بما ذكر من المناط على منهاج قوله تعالى:
ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم فمن توهم أن المعنى: ولو شئنا لأعطينا كل نفس ما عندنا من اللطف الذي لو كان منهم اختياره لاهتدوا، ولكن لم نعطهم لما علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره، فقد اشتبه عليه الشؤون. و "الفاء" في قوله تعالى: