أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا إما تقرير لما سبق من التباين البين بين عاقبتي الفريقين ببيان تباين حاليهما المؤديين إلى تينك العاقبتين، و"الفاء" لإنكار ترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي: أبعد كون حاليهما كما ذكر يكون من زين له الكفر من جهة الشيطان فانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه واختار الإيمان والعمل الصالح حتى لا تكون عاقبتاهما كما ذكر، فحذف ما حذف لدلالة ما سبق عليه.
وقوله تعالى:
فإن الله يضل ... إلخ، تقرير له، وتحقيق للحق ببيان أن الكل بمشيئته تعالى، أي: فإنه تعالى يضل
من يشاء أن يضله لاستحسانه واستحبابه الضلال، وصرف اختياره إليه فيرده أسفل سافلين
ويهدي من يشاء أن يهديه بصرف اختياره إلى الهدى فيرفعه إلى أعلى عليين، وإما تمهيد لما يعقبه من نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التحسر والتحزن عليهم لعدم إسلامهم، ببيان أنهم ليسوا بأهل لذلك، بل لأن يضرب عنهم صفحا ولا يبالي بهم قطعا، أي: أبعد كون حالهم كما ذكر تتحسر عليهم، فحذف لما دل عليه قوله تعالى:
فلا تذهب نفسك عليهم حسرات دلالة بينة، وإما تمهيد لصرفه - صلى الله عليه وسلم - عما كان عليه من الحرص الشديد على إسلامهم، والمبالغة في دعوتهم إليه ببيان استحالة تحولهم عن الكفر لكونه في غاية الحسن عندهم، أي: أبعد ما ذكر من زين له الكفر - من قبل الشيطان فرآه حسنا فانهمك فيه - يقبل الهداية حتى تطمع في إسلامه، وتتعب نفسك في دعوته، فحذف ما حذف لدلالة ما مر من قوله تعالى:
"فإن الله يضل من يشاء" ... إلخ، على أنه ممن شاء الله تعالى أن يضله
فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين وقرئ: (فلا تذهب نفسك).
وقوله تعالى
"حسرات" إما مفعول له، أي: فلا
[ ص: 145 ] تهلك نفسك للحسرات، والجمع للدلالة على تضاعف اغتمامه - صلى الله عليه وسلم - على أحوالهم، أو على كثرة قبائح أعمالهم الموجبة للتأسف والتحسر، و"عليهم" صلة (تذهب) كما يقال: هلك عليه حبا، ومات عليه حزنا، أو هو بيان للمتحسر عليه، ولا يجوز أن يتعلق بـ(حسرات) لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته، وإما حال كأن كلها صارت حسرات.
وقوله تعالى:
إن الله عليم بما يصنعون أي: من القبائح، تعليل لما قبله على الوجوه الثلاثة مع ما فيه من الوعيد.
عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -أنها نزلت في
أبي جهل، ومشركي
مكة .