وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار وإذا مس الإنسان ضر من مرض وغيره
دعا ربه منيبا إليه راجعا إليه مما كان يدعوه في حالة الرخاء لعلمه بأنه بمعزل من القدرة على كشف ضره . وهذا وصف للجنس بحال بعض أفراده، كقوله تعالى :
إن الإنسان لظلوم كفار .
ثم إذا خوله نعمة منه أي : أعطاه نعمة عظيمة من جنابه تعالى من التخول، وهو التعهد . أي : جعله خائل مال من قولهم : فلان خائل مال إذا كان متعهدا له حسن القيام به . أو من الخول وهو الافتخار . أي : جعله يخول، أي : يختال ويفتخر .
نسي ما كان يدعو إليه أي : نسي الضر الذي كان يدعو الله تعالى فيما سبق إلى كشفه .
من قبل أي : من قبل التخويل، أو نسي ربه الذي كان يدعوه ويتضرع إليه إما بناء على أن ما بمعنى "من" كما في قوله تعالى :
وما خلق الذكر والأنثى وقوله تعالى :
ولا أنتم عابدون ما أعبد وإما إيذانا بأن نسيانه بلغ إلى حيث لا يعرف مدعوه ما هو فضلا عن أن يعرفه من هو، كما مر في قوله تعالى :
عما أرضعت وجعل لله أندادا شركاء في العبادة
ليضل الناس بذلك
عن سبيله الذي هو التوحيد . وقرئ : ( ليضل ) بفتح الياء، أي : يزداد ضلالا أو يثبت عليه . وإلا فأصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور . و "اللام" لام العاقبة، كما في قوله تعالى :
[ ص: 245 ] فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا خلا أن هذا أقرب إلى الحقيقة; لأن الجاعل ههنا قاصد بجعله المذكور حقيقة الإضلال والضلال، وإن لم يعرف لجهله أنهما إضلال وضلال وأما آل
فرعون فهم غير قاصدين بالتقاطهم العداوة أصلا .
قل تهديدا لذلك الضال المضل، وبيانا لحاله ومآله .
تمتع بكفرك قليلا أي : تمتعا قليلا، أو زمانا قليلا .
إنك من أصحاب النار أي : من ملازميها والمعذبين فيها على الدوام . وهو تعليل لقلة التمتع، وفيه من الإقناط من النجاة ما لا يخفى، كأنه قيل : إذ قد أبيت قبول ما أمرت به من الإيمان والطاعة فمن حقك أن تؤمر بتركه لتذوق عقوبته .