سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين سنلقي بنون العظمة على طريقة الالتفات جريا على سنن الكبرياء لتربية المهابة، وقرئ بالياء والسين لتأكيد الإلقاء.
في قلوب الذين كفروا الرعب بسكون العين، وقرئ بضمها على الأصل وهو ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم
أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب ولهم القوة والغلبة. وقيل: ذهبوا إلى
مكة فلما كانوا ببعض الطريق قالوا: ما صنعنا شيئا قتلنا منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون، ارجعوا فاستأصلوهم فعند ذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب فأمسكوا فلا بد من كون نزول الآية في تضاعيف الحرب أو عقيب انقضائه. وقيل: هو ما ألقي في قلوبهم من الرعب يوم الأحزاب.
بما أشركوا بالله متعلق بـ "نلقي" دون الرعب و "ما" مصدرية، أي: بسبب إشراكهم به تعالى فإنه من موجبات خذلانهم ونصر المؤمنين عليهم وكلاهما من دواعي الرعب.
ما لم ينزل به أي بإشراكه.
سلطانا أي: حجة سميت به لوضوحها وإنارتها أو لقوتها أو لحدتها ونفوذها، وذكر عدم تنزيلها مع استحالة تحققها في نفسها من قبيل قوله:
ولا ترى الضب بها ينحجر
، أي: لا ضب ولا انحجار، وفيه إيذان بأن المتبع في الباب هو البرهان السماوي دون الآراء والأهواء الباطلة.
ومأواهم بيان لأحوالهم في الآخرة إثر بيان أحوالهم في الدنيا وهي الرعب، أي: ما يأوون إليه في الآخرة.
النار لا ملجأ لهم غيرها.
وبئس مثوى الظالمين أي: مثواهم، وإنما وضع موضعه المظهر المذكور للتغليظ والتعليل والإشعار بأنهم في إشراكهم ظالمون واضعون للشيء في غير موضعه والمخصوص بالذم محذوف، أي: بئس مثوى الظالمين النار، وفي جعلها "مثواهم" بعد جعلها "مأواهم" نوع رمز إلى خلودهم فيها، فإن المثوى مكان الإقامة المنبئة عن المكث وأما المأوى فهو المكان الذي يأوي إليه الإنسان.