وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون وليعلم الذين نافقوا عطف على ما قبله من مثله وإعادة الفعل لتشريف المؤمنين وتنزيههم عن الانتظام في قرن المنافقين وللإيذان باختلاف حال العلم بحسب التعلق بالفريقين، فإنه متعلق بالمؤمنين على نهج تعلقه السابق وبالمنافقين على وجه جديد وهو السر في إيراد الأولين بصيغة اسم الفاعل المنبئة عن الاستمرار والآخرين بموصول صلته فعل دال على الحدوث، والمعنى: وما
[ ص: 110 ] أصابكم يومئذ فهو كائن لتمييز الثابتين على الإيمان والذين أظهروا النفاق.
وقيل لهم عطف على نافقوا داخل معه في حيز الصلة أو كلام مبتدأ. قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: هم
عبد الله بن أبي وأصحابه حيث انصرفوا يوم
أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم
nindex.php?page=showalam&ids=198عبد الله بن عمرو بن حرام: أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم ودعاهم إلى القتال، وذلك قوله تعالى:
تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي: ادفعوا عنا العدو بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا، وقيل: أو ادفعوا عن أهلكم وبلدكم وحريمكم إن لم تقاتلوا في سبيل الله تعالى، وترك العطف بين
"تعالوا" و"قاتلوا" لما أن المقصود بهما واحد وهو الثاني وذكر الأول توطئة له وترغيب فيه لما فيه من الدلالة على التظاهر والتعاون.
قالوا استئناف وقع جوابا عن سؤال ينسحب عليه الكلام كأنه قيل: فماذا صنعوا حين خيروا بين الخصلتين المذكورتين، فقيل: قالوا:
لو نعلم قتالا لاتبعناكم أي: لو نحسن قتالا ونقدر عليه وإنما قالوه دغلا واستهزاء، وإنما عبر عن نفي القدرة على القتال بنفي العلم به لما أن القدرة على الأفعال الاختيارية مستلزمة للعلم بها أو لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا لاتبعناكم ولكن ما أنتم بصدده ليس بقتال أصلا وإنما هو إلقاء النفس إلى التهلكة، وفي جعلهم التالي مجرد الاتباع دون القتال الذي هو المقصود بالدعوة دليل على كمال تثبيطهم عن القتال حيث لا ترضى نفوسهم بجعله تاليا لمقدم مستحيل الوقوع.
هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان الضمير مبتدأ و "أقرب" خبره واللام في
"للكفر" و
"للإيمان" متعلقة به وكذا
"يومئذ" و"منهم" وعدم جواز تعلق حرفين متحدين لفظا ومعنى بعامل واحد بلا عطف أو بدلية إنما هو فيما عدا أفعل التفضيل من العوامل لاتحاد حيثية عملها، وأما أفعل التفضيل فحيث دل على أصل الفعل وزيادته جرى مجرى عاملين كأنه قيل: قربهم للكفر زائدة على قربهم للإيمان. وقيل: تعلق الجارين به لشبههما بالظرفين، أي: هم للكفر يوم إذ قالوا ما قالوا أقرب منهم للإيمان فإنهم كانوا قبل ذلك يتظاهرون بالإيمان وما ظهرت منهم أمارة مؤذنة بكفرهم، فلما انخذلوا عن عسكر المسلمين وقالوا: ما قالوا تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر. وقيل: هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان لأن تقليل سواد المسلمين بالانخذال تقوية للمشركين. وقوله تعالى:
يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها، وذكر الأفواه والقلوب تصوير لنفاقهم وتوضيح لمخالفة ظاهرهم لباطنهم، و "ما" عبارة عن القول، والمراد به: إما نفس الكلام الظاهر في اللسان تارة وفي القلب أخرى، فالمثبت والمنفي متحدان ذاتا وإن اختلفا مظهرا، وإما القول الملفوظ فقط فالمنفي حينئذ منشؤه الذي لا ينفك عنه القول أصلا وإنما عبر عنه به إبانة لما بينهما من شدة الاتصال، أي: يتفوهون بقول لا وجود له أو لمنشئه في قلوبهم أصلا من الأباطيل التي من جملتها ما حكي عنهم آنفا فإنهم أظهروا فيه أمرين ليس في قلوبهم شيء منهما، أحدهما: عدم العلم بالقتال، والآخر: الاتباع على تقدير العلم به، وقد كذبوا فيهما كذبا بينا حيث كانوا عالمين به غير ناوين للاتباع بل كانوا مصرين مع ذلك على الانخذال عازمين على الارتداد. وقوله عز وجل:
والله أعلم بما يكتمون زيادة تحقيق لكفرهم ونفاقهم ببيان اشتغال قلوبهم بما يخالف أقوالهم من فنون الشر والفساد إثر بيان خلوها عما يوافقها، وصيغة التفضيل لما أن بعض ما يكتمونه من أحكام النفاق وذم المؤمنين وتخطئة آرائهم والشماتة بهم وغير ذلك يعلمه المؤمنون على وجه الإجمال، وأن تفاصيل ذلك
[ ص: 111 ] وكيفياته مختصة بالعلم الإلهي.