ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون .
ولا تلبسوا الحق بالباطل : عطف على ما قبله؛ واللبس: الخلط؛ وقد يلزمه الاشتباه بين المختلطين؛ والمعنى: لا تخلطوا الحق المنزل؛ بالباطل الذي تخترعونه؛ وتكتبونه؛ حتى يشتبه أحدهما بالآخر؛ أو: لا تجعلوا الحق ملتبسا بسبب الباطل الذي تكتبونه في تضاعيفه؛ أو تذكرونه في تأويله.
وتكتموا الحق : مجزوم؛ داخل تحت حكم النهي؛ كأنهم أمروا بالإيمان؛ وترك الضلال؛ ونهوا عن الإضلال بالتلبيس على من سمع الحق؛ والإخفاء عمن لم يسمعه. أو منصوب بإضمار "أن"؛ على أن الواو للجمع؛ أي: لا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل؛ وبين كتمانه؛ ويعضده أنه في مصحف ابن مسعود: "وتكتمون"؛ أي: وأنتم تكتمون؛ أي: كاتمين؛ وفيه إشعار بأن استقباح اللبس لما يصحبه من كتمان الحق. وتكرير "الحق" إما لأن المراد بالأخير ليس عين الأول؛ بل هو نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كتموه؛ وكتبوا مكانه غيره؛ كما سيجيء في قوله (تعالى):
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ؛ وإما لزيادة تقبيح المنهي عنه؛ إذ في التصريح باسم الحق ما ليس في ضميره.
وأنتم تعلمون : أي كونكم عالمين بأنكم لابسون؛ كاتمون؛ أو: "وأنتم تعلمون أنه حق"؛ أو: "وأنتم من أهل العلم"؛ وليس إيراد الحال لتقييد النهي به؛ كما في قوله (تعالى):
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ؛ بل لزيادة تقبيح حالهم؛ إذ الجاهل عسى يعذر.
[ ص: 97 ]