صفحة جزء
قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير

قالوا اعترافا بأنه تعالى قد أزاح عللهم بالكلية بلى قد جاءنا نذير جامعين بين حرف الجواب ونفس الجملة المجاب بها؛ مبالغة في الاعتراف بمجيء النذير، وتحسرا على ما فاتهم من السعادة في تصديقهم، وتمهيدا لبيان ما وقع منهم من التفريط تندما واغتماما على ذلك، أي: قال كل فوج من تلك الأفواج: قد جاءنا نذير، أي: واحد حقيقة، أو حكما كأنبياء بني إسرائيل، فإنهم حكم نذير واحد فأنذرنا وتلا علينا ما نزل الله - تعالى - عليه من آياته فكذبنا ذلك النذير في كونه نذيرا من جهته تعالى وقلنا في حق ما تلاه من الآيات إفراطا في التكذيب وتماديا في النكير ما نزل الله على أحد من شيء من الأشياء، فضلا عن تنزيل الآيات عليكم إن أنتم أي: ما أنتم في ادعاء أنه تعالى نزل عليكم آيات تنذروننا بما فيها إلا في ضلال كبير بعيد عن الحق والصواب، وجمع ضمير الخطاب مع أن مخاطب كل فوج نذيره؛ لتغليبه على أمثاله مبالغة في التكذيب، وتماديا في التضليل، كما ينبئ عنه تعميم المنزل مع ترك ذكر المنزل عليه، فإنه ملوح بعمومه حتما، وأما إقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل، فأمر تحقيقي يصار إليه؛ لتهويل ما ارتكبوه من الجنايات لا مساغ لاعتباره من جهتهم، ولا لإدراجه تحت عبارتهم، كيف لا؟ وهو منوط بملاحظة إجماع النذر على ما لا يختلف من الشرائع والأحكام باختلاف العصور والأعوام، وأين هم من ذلك؟ وقد حال الجريض دون القريض، هذا إذا جعل ما ذكر حكاية عن كل واحد من الأفواج، وأما إذا جعل حكاية عن الكل؛ فالنذير إما بمعنى الجمع; لأنه فعيل، أو مصدر مقدر بمضاف عام، أي: أهل نذير، أو منعوت به فيتفق كلا طرفي الخطاب في الجمعية، ومن اعتبر الجمعية بأحد الوجوه الثلاثة على التقدير الأول، ولم يخص اعتبارها بالتقدير الأخير؛ فقد اشتبه عليه الشؤون، واختلط به الظنون، وقد جوز أن يكون الخطاب من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول، على أن مرادهم بالضلال ما كانوا عليه في الدنيا، أو هلاكهم، أو عقاب ضلالهم تسمية له باسم سببه، وأن يكون من كلام الرسل للكفرة، وقد حكموه للخزانة، فتأمل وكن على الحق المبين.

التالي السابق


الخدمات العلمية