لا يسمن ولا يغني من جوع لا يسمن ولا يغني من جوع أي: ليس من شأنه الإسمان والإشباع كما هو شأن طعام الدنيا، وإنما هو شيء يضطرون إلى أكله من غير أن يكون له دفع لضرورتهم، لكن لا على أن لهم استعدادا للشبع والسمن إلا أنه لا يفيدهم شيئا منهما، بل على أنه لا استعداد من جهتهم ولا إفادة من جهة طعامهم، وتحقيق ذلك أن جوعهم وعطشهم ليسا من قبيل ما هو المعهود منهما في هذه النشأة من حالة عارضة للإنسان عند استدعاء الطبيعة لبدل ما يتحلل من البدن، مشوقة له إلى المطعوم والمشروب بحيث يلتذ بهما عند الأكل والشرب، ويستغني بهما عن غيرهما عند استقرارهما في المعدة ويستفيد منهما قوة وسمنا عند انهضامهما، بل جوعهم عبارة عن اضطرام النار في أحشائهم إلى إدخال شيء كثيف يملؤها ويخرج ما فيها من اللهب، وأما أن يكون لهم شوق إلى مطعوم ما أو التذاذ به عند الأكل واستغناء به عن الغير أو استفادة قوة فهيهات، وكذا عطشهم عبارة عن اضطرارهم عند أكل الضريع والتهابه في بطونهم إلى شيء مائع بارد يطفئه من غير أن يكون لهم التذاذ بشربه أو استفادة قوة به في الجملة، وهو المعني بما روي أنه تعالى يسلط عليهم الجوع بحيث يضطرهم إلى أكل الضريع فإذا أكلوه يسلط عليهم العطش فيضطرهم إلى شرب الحميم فيشوي وجوههم ويقطع أمعاءهم، وتنكير الجوع للتحقير أي: لا يغني من جوع ما، وتأخير نفي الإغناء منه لمراعاة الفواصل، والتوسل به إلى التصريح بنفي كلا الأمرين؛ إذ لو قدم لما احتيج إلى ذكر نفي الأسمان ضرورة استلزام نفي الإغناء عن الجوع إياه، بخلاف العكس ولذلك كرر "لا" لتأكيد النفي.