وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وإذا ضربتم في الأرض شروع في بيان كيفية الصلاة عند الضرورات من السفر ولقاء العدو والمرض والمطر وفيه تأكيد لعزيمة المهاجر على المهاجرة وترغيب له فيها لما فيه من تخفيف المؤنة أي: إذا سافرتم أي مسافرة كانت ولذلك لم يقيد بما قيد به المهاجرة.
فليس عليكم جناح أى حرج أو إثم.
أن تقصروا أي: في أن تقصروا، والقصر خلاف المد يقال: قصرت الشيء، أي: جعلته قصيرا بحذف بعض أجزائه أو أوصافه فمتعلق القصر حقيقة إنما هو ذلك الشيء لا بعضه فإنه متعلق الحذف دون القصر، وعلى هذا فقوله تعالى:
[ ص: 225 ] من الصلاة ينبغي أن يكون مفعولا لـ"تقصروا" على زيادة من حسبما رآه
nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش، وأما على تقدير أن تكون تبعيضية ويكون المفعول محذوفا كما هو رأي
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أي: شيئا من الصلاة فينبغي أن يصار إلى وصف الجزء بصفة الكل أو يراد بالقصر معنى الحبس يقال: قصرت الشيء إذا حبسته أو يراد بالصلاة الجنس ليكون المقصور بعضا منها وهي الرباعيات أي: فليس عليكم جناح في أن تقصروا بعض الصلاة بتنصيفها، وقرئ "تقصروا" من الإقصار و"تقصروا" من التقصير والكل بمعنى، وأدنى مدة السفر الذي يتعلق به القصر عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام بالاقتصاد، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مسيرة يومين، وظاهر الآية الكريمة التخيير وأفضلية الإتمام وبه تعلق
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، وبما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتم في السفر، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أنها أتمت تارة وقصرت أخرى، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه أنه كان يتم ويقصر وعندنا يجب القصر لا محالة خلا أن بعض مشايخنا سماه عزيمة وبعضهم رخصة إسقاط بحيث لا مساغ للإتمام لا رخصة ترفيه إذ لا معنى للتخيير بين الأخف والأثقل وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر رضوان الله عليهم وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، وقد روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=677566عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، nindex.php?page=hadith&LINKID=651019وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين رضي الله عنه:
nindex.php?page=hadith&LINKID=74345ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر إلا ركعتين وصلى بمكة ركعتين ثم قال: "أتموا فإنا قوم سفر"، nindex.php?page=hadith&LINKID=710601وحين سمع nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه صلى بمنى أربع ركعات استرجع ثم قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رضي الله عنه بمنى ركعتين وصليت مع عمر رضي الله عنه بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان، وقد اعتذر
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه عن إتمامه بأنه تأهل
بمكة، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أنه إنما أتم لأنه أزمع الإقامة
بمكة، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها: أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر، وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنها قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر، وأما ما روي عنها من الإتمام فقد اعتذرت عنه وقالت: أنا أم المؤمنين فحيث حللت فهي داري وإنما ورد ذلك بنفي الجناح لما أنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة أن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا في
القصر فصرح بنفي الجناح عنهم لتطيب به نفوسهم ويطمئنوا إليه كما في قوله تعالى:
فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما مع أن ذلك الطواف واجب عندنا ركن عند
الشافعي. وقوله تعالى:
إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه أي: إن خفتم أن يتعرضوا لكم بما تكرهونه من القتال وغيره فليس عليكم جناح إلخ وهو شرط معتبر في شرعية ما يذكر بعده من صلاة الخوف المؤداة بالجماعة، وأما في حق مطلق القصر فلا اعتبار له اتفاقا لتظاهر السنن على مشروعيته حسبما وقفت على تفصيلها، وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي في شرح الآثار مسندا إلى
يعلى بن أمية أنه قال: قلت
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما قال الله
فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وقد
[ ص: 226 ] أمن الناس فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=856770 "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" وفيه دليل على عدم جواز الإكمال لأن التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض لا يحتمل الرد كما حقق في موضعه ولا يتوهمن أنه مخالف للكتاب لأن التقييد بالشرط عندنا إنما يدل على ثبوت الحكم عند وجود الشرط وأما عدمه عند عدمه فساكت عنه فإن وجد له دليل ثبت عنده أيضا وإلا يبقى على حاله لعدم تحقق دليله لا لتحقق دليل عدمه وناهيك بما سمعت من الأدلة الواضحة، وأما عند القائلين بالمفهوم فلأنه إنما يدل على نفي الحكم عند عدم الشرط إذا لم يكن له فائدة أخرى، وقد خرج الشرط ههنا مخرج الأغلب كما في قوله تعالى:
ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا بل نقول إن الآية الكريمة مجملة في حق
مقدار القصر وكيفيته، وفي حق ما يتعلق به من الصلوات وفي مقدار مدة الضرب الذي نيط به القصر ، فكل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من القصر في حال الأمن ، وتخصيصه بالرباعيات على وجه التصنيف وبالضرب في المدة المعينة بيان لإجمال الكتاب ، وقد قيل: إن قوله تعالى
إن خفتم إلخ متعلق بما بعده من صلاة الخوف منفصل عما قبله، فإنه روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: نزل قوله تعالى
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حول فنزل إن خفتم إلخ أي: إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فليس عليكم جناح إلخ، وقد قرئ من الصلاة أن يفتنكم بغير إن خفتم على أنه مفعول له لما دل عليه الكلام كأنه قيل: شرع لكم ذلك كراهة أن يفتنكم إلخ فإن استمرار الاشتغال بالصلاة مظنة لاقتدارهم على إيقاع الفتنة. وقوله تعالى:
إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا تعليل لذلك باعتبار تعلله بما ذكر أو لما يفهم من الكلام من كون فتنتهم متوقعة فإن كمال عداوتهم للمؤمنين من موجبات التعرض لهم بسوء.