صفحة جزء
ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما

ويستفتونك في النساء أي: في حقهن على الإطلاق كما ينبئ عنه الأحكام الآتية لا في حق ميراثهن خاصة فإنه صلى الله عليه وسلم قد سئل عن أحوال كثيرة مما يتعلق بهن فما بين حكمه فيما سلف أحيل بيانه على ما ورد في ذلك من الكتاب وما لم يبين حكمه بعد ههنا وذلك قوله تعالى: قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب بإسناد الإفتاء الذي هو تبيين المبهم وتوضيح المشكل إليه تعالى وإلى ما تلي من الكتاب فيما سبق باعتبارين على طريقة قولك: "أغناني زيد وعطاؤه" بعطف "ما" على المبتدإ أو ضميره في الخبر لمكان الفصل بالمفعول والجار [ ص: 238 ] والمجرور وإيثار صيغة المضارع للإيذان باستمرار التلاوة ودوامها ، و "في الكتاب" إما متعلق بـ"يتلى" أو بمحذوف وقع حالا من المستكن فيه أي: يتلى كائنا فيه، ويجوز أن يكون "ما يتلى عليكم" مبتدأ و "في الكتاب" خبره على أن المراد به: اللوح المحفوظ والجملة معترضة مسوقة لبيان عظم شأن المتلو عليهم وأن العدل في الحقوق المبينة فيه من عظائم الأمور التي تجب مراعاتها والمحافظة عليها فما يتلى حينئذ متناول لما تلي وما سيتلى، ويجوز أن يكون مجرورا على القسم المنبئ عن تعظيم المقسم به وتفخيمه كأنه قيل: قل الله يفتيكم فيهن وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب، فالمراد بقوله تعالى يفتيكم : بيانه السابق واللاحق ولا مساغ لعطفه على المجرور من "فيهن" لاختلاله لفظا ومعنى. وقوله تعالى: في يتامى النساء على الوجه الأول - وهو الأظهر - متعلق بـ"يتلى" أي: ما يتلى عليكم في شأنهن، وعلى الأخيرين بدل من "فيهن" وهذه الإضافة بمعنى "من" لأنها إضافة الشيء إلى جنسه، وقرئ "ييامى" على قلب همزة أيامى ياء. اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن أي: ما فرض لهن من الميراث وغيره. وترغبون عطف على الصلة عطف جملة مثبتة على جملة منفية. وقيل: حال من فاعل "تؤتونهن" بتأويل: وأنتم ترغبون، ولا ريب في أنه لا يظهر لتقييد عدم الإيتاء بذلك فائدة إلا إذا أريد بما كتب لهن صداقهن. أن تنكحوهن أي: في أن تنكحوهن لا لأجل التمتع بهن بل لأكل مالهن أو في أن تنكحوهن بغير إكمال الصداق، وذلك ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها من أنها اليتيمة تكون في حجر وليها هو وليها فيرغب في مالها وجمالها ويريد أن ينكحها بأدنى من سنة نسائها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق أو عن أن تنكحوهن، وذلك ما روي عنها رضي الله عنها أنها يتيمة يرغب وليها عن نكاحها ولا ينكحها فيعضلها طمعا في ميراثها، وفي رواية عنها رضي الله عنها هو الرجل يكون عنده يتيمة ووارثها وشريكها في المال حتى في العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها، فالمراد بما كتب لهن على الوجه الأول والأخير ميراثهن وبما يتلى في حقهن. قوله تعالى: وآتوا اليتامى أموالهم وقوله تعالى: ولا تأكلوها ونحوهما من النصوص الدالة على عدم التعرض لأموالهم وعلى الوجه الثاني صداقهن وبما يتلى فيهن قوله تعالى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى الآية. والمستضعفين من الولدان عطف على يتامى النساء وما يتلى في حقهن. قوله تعالى: يوصيكم الله إلخ وقد كانوا في الجاهلية لا يورثونهم كما لا يورثون النساء وإنما يورثون الرجال القوام بالأمور. روي أن عيينة بن حصن الفزاري جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرنا بأنك تعطي الابنة النصف والأخت النصف وإنما كنا نورث من يشهد القتال ويحوز الغنيمة فقال صلى الله عليه وسلم: كذلك أمرت. وأن تقوموا لليتامى بالقسط بالجر عطف على ما قبله وما يتلى في حقهم. قوله تعالى: ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ونحو ذلك مما لا يكاد يحصر هذا على تقدير كون "في يتامى النساء" متعلقا بـ"يتلى" وأما على تقدير كونه بدلا من "فيهن" فالوجه نصبه عطفا على موضع فيهن أي: يفتيكم أن تقوموا، ويجوز نصبه بإضمار فعل أي: ويأمركم، وهو خطاب للولاة أو للأولياء والأوصياء. وما تفعلوا في حقوق المذكورين. من خير حسبما أمرتم به أو ما تفعلوه من خير على الإطلاق فيندرج فيه ما يتعلق بهم اندراجا أوليا. فإن الله كان به عليما فيجازيكم بحسبه.

التالي السابق


الخدمات العلمية