ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما
فإن قوله تعالى:
ورسلا نصب بمضمر يدل عليه "أوحينا" معطوف عليه داخل معه في حكم التشبيه كما قبله أي: وكما أرسلنا رسلا، لا بما يفسره قوله تعالى:
قد قصصناهم عليك أي: وقصصنا رسلا كما قالوا وفرعوا عليه إن قوله تعالى:
قد قصصناهم على الوجه الأول منصوب على أنه صفة لـ"رسلا" وعلى الوجه الثاني لا محل له من الإعراب فإنه مما لا سبيل إليه كما ستقف عليه، وقرئ برفع "رسل". وقوله تعالى:
من قبل متعلق بـ"قصصنا" أي: قصصنا من قبل هذه السورة أو اليوم.
ورسلا لم نقصصهم عليك عطف على "رسلا" منصوب بناصبه. وقيل: كلاهما منصوب بنزع الخافض والتقدير: كما أوحينا إلى
نوح وإلى الرسل إلخ، والحق أن يكون انتصابهما بـ"أرسلنا" فإن فيه تحقيقا للمماثلة بين شأنه عليه الصلاة والسلام وبين شؤون من يعترفون بنبوته من الأنبياء عليهم السلام في مطلق الإيحاء ثم في إيتاء الكتاب ثم في الإرسال، فإن قوله تعالى:
إنا أوحينا إليك منتظم بمعنى آتيناك وأرسلناك حتما كأنه قيل: إنا أوحينا إلى
إبراهيم ومن بعده وآتيناك وأرسلناك حتما كأنه قيل: إنا أوحينا إليك إيحاء مثل ما أوحينا إلى
نوح ومثل ما أوحينا إلى
إبراهيم ومن بعده وآتيناك الفرقان إيتاء مثل ما آتينا
داود زبورا وأرسلناك إرسالا مثل ما أرسلنا رسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا آخرين لم نقصصهم عليك من غير تفاوت بينك وبينهم في حقيقة الإيحاء وأصل الإرسال، فما للكفرة يسألونك شيئا لم يعطه أحد من هؤلاء الرسل عليهم السلام ومن ههنا اتضح أن "رسلا" لا يمكن نصبه بـ"قصصنا" فإن ناصبه يجب أن يكون معطوفا على "أوحينا" داخلا معه في حكم التشبيه الذي عليه يدور فلك الاحتجاج على الكفرة، ولا ريب في أن "قصصنا" لا تعلق له بشيء من الإيحاء والإيتاء حتى يمكن اعتباره في ضمن
[ ص: 256 ] قوله تعالى:
إنا أوحينا إليك ثم يعتبر بينه وبين المذكور مماثلة مصححة للتشبيه على أن تقديره في "رسلا" الأول يقتضي تقدير نفيه في الثاني وذلك أشد استحالة وأظهر بطلانا.
وكلم الله موسى برفع الجلالة ونصب
"موسى" وقرئ على القلب. وقوله تعالى:
تكليما مصدر مؤكد رافع لاحتمال المجاز. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: العرب تسمي ما وصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فإذا أكد به لم يكن إلا حقيقة الكلام، والجملة إما معطوفة على قوله تعالى:
إنا أوحينا إليك عطف القصة على القصة لا على "آتينا" وما عطف عليه، وإما حال بتقدير قد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات والمعنى: أن التكليم بغير واسطة منتهى مراتب الوحي خص به
موسى من بينهم فلم يكن ذلك قادحا في نبوة سائر الأنبياء عليهم السلام فكيف يتوهم كون نزول التوراة عليه عليه السلام جملة قادحا في صحة نبوة من أنزل عليه الكتاب مفصلا مع ظهور أن نزولها كذلك لحكم مقتضية لذلك من جملتها أن بني إسرائيل كانوا في العناد وشدة الشكيمة بحيث لو لم يكن نزولها كذلك لما آمنوا بها ومع ذلك ما آمنوا بها إلا بعد اللئيا والتي وقد فضل الله تعالى نبينا
محمدا صلى الله عليه وسلم بأن أعطاه مثل ما أعطى كل واحد منهم صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.