صفحة جزء
وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير

وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه حكاية لما صدر عن الفريقين من الدعوى الباطلة ، وبيان لبطلانها بعد ذكر ما صدر عن أحدهما وبيان بطلانه ; أي : قالت اليهود : نحن أشياع ابنه عزير ، وقالت النصارى : نحن أشياع ابنه المسيح ، كما قيل لأشياع أبي خبيب ، وهو عبد الله بن الزبير : الخبيبيون ، وكما يقول أقارب الملوك عند المفاخرة : نحن الملوك . وقال ابن [ ص: 21 ] عباس رضي الله تعالى عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا جماعة من اليهود إلى دين الإسلام ، وخوفهم بعقاب الله تعالى ، فقالوا : كيف تخوفنا به ونحن أبناء الله وأحباؤه . وقيل : إن النصارى يتلون في الإنجيل : أن المسيح قال لهم إني ذاهب إلى أبي وأبيكم . وقيل : أرادوا : أن الله تعالى كالأب لنا في الحنو والعطف ، ونحن كالأبناء له في القرب والمنزلة ، وبالجملة أنهم كانوا يدعون أن لهم فضلا ومزية عند الله تعالى على سائر الخلق ، فرد عليهم ذلك . وقيل : لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

قل إلزاما لهم وتبكيتا .

فلم يعذبكم بذنوبكم ; أي : إن صح ما زعمتم ، فلأي شيء يعذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ ، وقد عرفتم بأنه تعالى سيعذبكم في الآخرة بالنار أياما بعدد أيام عبادتكم العجل ، ولو كان الأمر كما زعمتم لما صدر عنكم ما صدر ، ولما وقع عليكم ما وقع .

وقوله تعالى : بل أنتم بشر عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام ; أي : لستم كذلك بل أنتم بشر .

ممن خلق ; أي : من جنس من خلقه الله تعالى من غير مزية لكم عليهم .

يغفر لمن يشاء أن يغفر له من أولئك المخلوقين ، وهم الذين آمنوا به تعالى وبرسله .

ويعذب من يشاء أن يعذبه منهم ، وهم الذين كفروا به وبرسله مثلكم .

ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما من الموجودات لا ينتمي إليه سبحانه شيء منها ، إلا بالملوكية ، والعبودية ، والمقهورية تحت ملكوته ، يتصرف فيهم كيف يشاء إيجادا وإعداما ، وإحياء وإماتة ، وإثابة وتعذيبا ، فأنى لهم ادعاء ما زعموا .

وإليه المصير في الآخرة خاصة ، لا إلى غيره استقلالا أو اشتراكا ، فيجازي كلا من المحسن والمسيء بما يستدعيه عمله من غير صارف يثنيه ، ولا عاطف يلويه .

التالي السابق


الخدمات العلمية