يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله لما ذكر عظم شأن القتل والفساد وبين حكمهما ، وأشير في تضاعيف ذلك إلى مغفرته تعالى لمن تاب من جنايته ، أمر المؤمنون بأن يتقوه تعالى في كل ما يأتون وما يذرون ، بترك ما يجب اتقاؤه من المعاصي التي من جملتها ما ذكر من القتل والفساد ، وبفعل الطاعات التي من زمرتها السعي في إحياء النفوس ، ودفع الفساد ، والمسارعة إلى التوبة والاستغفار .
وابتغوا ; أي : اطلبوا لأنفسكم ،
إليه ; أي : إلى ثوابه والزلفى منه .
الوسيلة هي فعيلة بمعنى : ما يتوسل به ويتقرب إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي ، من وسل إلى كذا ; أي : تقرب إليه بشيء . و" إليه " متعلق بها ، قدم عليها للاهتمام به ، وليست بمصدر حتى لا تعمل فيما قبلها ، ولعل المراد بها : الاتقاء المأمور به ، فإنه ملاك الأمر كله كما أشير إليه ، وذريعة لنيل كل خير ، ومنجاة من كل ضير ، فالجملة حينئذ جارية مما قبلها مجرى البيان والتأكيد ، أو مطلق الوسيلة وهو داخل فيها دخولا أوليا . وقيل : الجملة الأولى أمر بترك المعاصي ، والثانية أمر بفعل الطاعات .
وحيث كان في كل من ترك المعاصي المشتهاة للنفس ، وفعل الطاعات المكروهة لها كلفة ومشقة ، عقب الأمر بهما بقوله تعالى :
وجاهدوا في سبيله بمحاربة أعدائه البارزة والكامنة ،
لعلكم تفلحون بنيل مرضاته والفوز بكراماته .
[ ص: 33 ]