لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل كلام مبتدأ مسوق لبيان بعض آخر من جناياتهم المنادية باستبعاد الإيمان منهم ; أي : بالله لقد أخذنا ميثاقهم بالتوحيد ، وسائر الشرائع والأحكام المكتوبة عليهم في التوراة .
وأرسلنا إليهم رسلا ذوي عدد كثير وأولي شأن خطير ; ليقرروهم على مراعاة حقوق الميثاق ، ويطلعوهم على ما يأتون ويذرون في دينهم ، ويتعهدوهم بالعظة والتذكير .
وقوله تعالى :
كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم جملة شرطية مستأنفة ، وقعت جوابا عن سؤال نشأ من الإخبار بأخذ الميثاق وإرسال الرسل ، وجواب الشرط محذوف ، كأنه قيل : فماذا فعلوا بالرسل ؟ فقيل : كلما جاءهم رسول من أولئك الرسل بما لا تحبه أنفسهم المنهمكة في الغنى والفساد من الأحكام الحقة والشرائع ، عصوه وعادوه .
وقوله تعالى :
فريقا كذبوا وفريقا يقتلون جواب مستأنف عن استفسار كيفية ما أظهروه من آثار المخالفة المفهومة من الشرطية على طريقة الإجمال ، كأنه قيل : كيف فعلوا بهم ؟ فقيل : فريقا منهم كذبوهم من غير أن يتعرضوا لهم بشيء آخر من المضار ، وفريقا آخر منهم لم يكتفوا بتكذيبهم ، بل قتلوهم أيضا ، وإنما أوثر عليه صيغة المضارع على حكاية الحال الماضية ; لاستحضار صورتها الهائلة للتعجيب منها ، وللتنبيه على أن ذلك ديدنهم المستمر ، وللمحافظة على رءوس الآي الكريمة .
وتقديم " فريقا " في الموضعين للاهتمام به ، وتشويق السامع إلى ما فعلوا به لا للقصر ، هذا وأما
[ ص: 64 ] جعل الشرطية صفة لرسلا كما ذهب إليه الجمهور ، فلا يساعده المقام أصلا ، ضرورة أن الجملة الخبرية إذا جعلت صفة ، أو صلة ، ينسخ ما فيها من الحكم ، وتجعل عنوانا للموصوف تتمة له في إثبات أمر آخر له .
ولذلك يجب أن يكون الوصف معلوم الانتساب إلى الموصوف عند السامع قبل جعله وصفا له ، ومن ههنا قالوا : إن الصفات قبل العلم بها أخبار ، والأخبار بعد العلم بها أوصاف ، ولا ريب في أن ما سيق له النظم إنما هو بيان أنهم جعلوا كل من جاءهم من رسل الله تعالى عرضة للقتل ، أو التكذيب حسبما يفيده ، جعلها استئنافا على أبلغ وجه ، وآكده لبيان أنه تعالى أرسل إليهم رسلا موصوفين بكون كل منهم كذلك ، كما هو مقتضى جعلها صفة .