قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين قل سيروا في الأرض بعد بيان ما فعلت الأمم الخالية وما فعل بهم ، خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنذار قومه وتذكيرهم بأحوالهم الفظيعة ; تحذيرا لهم عما هم عليه ، وتكملة للتسلية بما في ضمنه من العدة اللطيفة بأنه سيحيق بهم مثل ما حاق بأضرابهم الأولين ، ولقد أنجز ذلك يوم
بدر أي إنجاز ; أي : سيروا في الأرض لتعرف أحوال أولئك الأمم .
ثم انظروا ; أي : تفكروا .
كيف كان عاقبة المكذبين وكلمة " ثم " إما لأن النظر في آثار الهالكين لا يتسنى إلا بعد انتهاء السير إلى أماكنهم ، وإما لإبانة ما بينهما من التفاوت في مراتب الوجوب ، وهو الأظهر ; فإن وجوب السير ليس إلا لكونه وسيلة إلى النظر ، كما يفصح عنه العطف بالفاء في قوله عز وجل : "فانظروا" ... الآية .
وأما أن الأمر الأول لإباحة السير للتجارة ونحوها ، والثاني لإيجاب النظر في آثارهم ، و" ثم " لتباعد ما بين الواجب والمباح فلا يناسب المقام .
و"
كيف " معلقة لفعل النظر ، ومحل الجملة النصب بنزع الخافض ; أي : تفكروا في أنهم كيف أهلكوا بعذاب الاستئصال ، والعاقبة مصد كالعافية ونظائرها ، وهي منتهى الأمر ومآله ، ووضع المكذبين موضع المستهزئين لتحقيق أن مدار إصابة ما أصابهم هو التكذيب ; لينزجر السامعون عنه لا عن الاستهزاء فقط ، مع بقاء التكذيب بحاله بناء على توهم أنه المدار في ذلك .