ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين
وقوله تعالى :
ولقد كذبت رسل من قبلك افتنان في تسليته عليه الصلاة والسلام ، فإن عموم البلية ربما يهون أمرها بعض تهوين ، وإرشاد له عليه الصلاة والسلام إلى الاقتداء بمن قبله من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام في الصبر على ما أصابهم من أممهم من فنون الأذية ، وعدة ضمنية له عليه الصلاة والسلام بمثل ما منحوه من النصر ، وتصدير الكلام بالقسم لتأكيد التسلية ، وتنوين رسل للتفخيم والتكثير ، ومن إما متعلقة بكذبت ، أو بمحذوف وقع صفة لرسل ; أي : وبالله لقد كذبت من قبل تكذيبك رسل أولو شأن خطير وذوو عدد كثير ، أو كذبت رسل كانوا من زمان قبل زمانك .
فصبروا على ما كذبوا " ما " مصدرية .
[ ص: 128 ]
وقوله تعالى :
وأوذوا عطف على كذبوا ، داخل في حكمه ، فانسبك منهما مصدران من المبني للمفعول ; أي : فصبروا على تكذيبهم وإيذائهم ، فتأس بهم واصطبر على ما نالك من قومك ، والمراد بإيذائهم : إما عين تكذيبهم ، وإما ما يقارنه من فنون الإيذاء ، لم يصرح به ثقة باستلزام التكذيب إياه غالبا ، وأيا ما كان ففيه تأكيد للتسلية ، وقيل : عطف على صبروا ، وقيل : على كذبت ، وقيل : هو استئناف .
وقوله تعالى :
حتى أتاهم نصرنا غاية للصبر ، وفيه إيذان بأن نصره تعالى إياهم أمر مقرر لا مرد له ، وأنه متوجه إليهم لا بد من إتيانه البتة ، والالتفات إلى نون العظمة لإبراز الاعتناء بشأن النصر .
وقوله تعالى :
ولا مبدل لكلمات الله اعتراض مقرر لما قبله من إتيان نصره إياهم ، والمراد بكلماته تعالى : ما ينبئ عنه قوله تعالى :
ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ، وقوله تعالى :
كتب الله لأغلبن أنا ورسلي من المواعيد السابقة للرسل عليهم الصلاة والسلام الدالة على
نصرة رسول الله أيضا ، لا نفس الآيات المذكورة ونظائرها .
فإن الإخبار بعدم تبدلها إنما يفيد عدم تبدل المواعيد الواردة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المواعيد السابقة للرسل عليهم الصلاة والسلام ، ويجوز أن يراد بكلماته تعالى : جميع كلماته التي من جملتها تلك المواعيد الكريمة ، ويدخل فيها المواعيد الواردة في حقه عليه الصلاة والسلام دخولا أوليا .
والالتفات إلى الاسم الجليل للإشعار بعلة الحكم ، فإن الألوهية من موجبات أن لا يغالبه أحد في فعل من الأفعال ، ولا يقع منه تعالى خلف في قول من الأقوال .
وقوله تعالى :
ولقد جاءك من نبإ المرسلين جملة قسمية جيء بها لتحقيق ما منحوا من النصر ، وتأكيد ما في ضمنه من الوعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لتقرير جميع ما ذكر من تكذيب الأمم ، وما ترتب عليه من الأمور .
والجار والمجرور في محل الرفع على أنه فاعل ; إما باعتبار مضمونه ; أي : بعض نبأ المرسلين ، أو بتقدير الموصوف ; أي : بعض من نبأ المرسلين ، كما مر في تفسير قوله تعالى :
ومن الناس من يقول آمنا بالله ... الآية .
وأيا ما كان ; فالمراد بنبئهم عليهم السلام على الأول : نصره تعالى إياهم بعد اللتيا والتي ، وعلى الثاني : جميع ما جرى بينهم وبين أممهم ، على ما ينبئ عنه قوله تعالى :
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ... الآية .
وقيل : في محل النصب على الحالية من المستكن في جاء ، العائد إلى ما يفهم من الجملة السابقة ; أي : ولقد جاءك هذا الخبر كائنا من نبأ المرسلين .