وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا هم الذين نهي عن طردهم ، وصفوا بالإيمان بآيات الله عز وجل ، كما وصفوا بالمداومة على عبادته تعالى بالإخلاص ; تنبيها على إحرازهم لفضيلتي العلم والعمل ، وتأخير هذا الوصف مع تقدمه على الوصف الأول ، لما أن مدار الوعد بالرحمة والمغفرة هو الإيمان بها ، كما أن مناط النهي عن الطرد فيما سبق ، هو المداومة على العبادة .
وقوله تعالى :
فقل سلام عليكم أمر بتبشيرهم بالسلامة عن كل مكروه بعد إنذار مقابليهم . وقيل : بتبليغ سلامه تعالى إليهم . وقيل : بأن يبدأهم بالسلام .
وقوله تعالى :
كتب ربكم على نفسه الرحمة ; أي : قضاها وأوجبها على ذاته المقدسة بطريق التفضل والإحسان بالذات ، لا بتوسط شيء ما أصلا ، تبشير لهم بسعة رحمته تعالى ، وبنيل المطالب إثر تبشيرهم بالسلامة عن المكاره ، وقبوله التوبة منهم .
وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار اللطف بهم ، والإشعار بعلة الحكم .
وقيل : إن قوما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إنا أصبنا ذنوبا عظاما ، فلم يرد على أنه تفسير للرحمة بطريق الاستئناف .
وقوله تعالى :
بجهالة حال من فاعل عمل ; أي : عمله وهو جاهل بحقيقة ما يتبعه من المضار ، والتقييد بذلك للإيذان بأن المؤمن لا يباشر ما يعلم أنه
[ ص: 141 ] يؤدي إلى الضرر ، أو عمله ملتبسا بجهالة .
ثم تاب من بعده ; أي : من بعد عمله ، أو من بعد سفهه .
وأصلح ; أي : ما أفسده ، تداركا وعزما على أن لا يعود إليه أبدا .
فأنه غفور رحيم ; أي : فأمره أنه غفور رحيم ، أو فله أنه غفور رحيم ، وقرئ : ( فإنه ) بالكسر على أنه استئناف وقع في صدر الجملة الواقعة خبرا لمن ، على أنها موصولة ، أو جوابا لها على أنها شرطية .