وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم وتلك إشارة إلى ما احتج به
إبراهيم عليه السلام من قوله تعالى : "
فلما جن " .
وقيل : من قوله : "
أتحاجوني " إلى قوله "
مهتدون " ، وما في اسم الإشارة من معنى البعد ، لتفخيم شأن المشار إليه والإشعار بعلو طبقته وسمو منزلته
[ ص: 157 ] في الفضل ، وهو مبتدأ .
وقوله تعالى :
حجتنا خبره ، وفي إضافتها إلى نون العظمة من التفخيم ما لا يخفى .
وقوله تعالى :
آتيناها إبراهيم ; أي : أرشدناه إليها أو علمناه إياها ، في محل النصب على أنه حال من " حجتنا " ، والعامل فيها معنى الإشارة ، كما في قوله تعالى :
فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ، أو في محل الرفع على أنه خبر ثان ، أو هو الخبر ، و" حجتنا " بدل أو بيان للمبتدأ ، و"
إبراهيم " مفعول أول لآتينا ، قدم عليه الثاني لكونه ضميرا .
وقوله تعالى :
على قومه متعلق بحجتنا إن جعل خبرا لتلك ، أو بمحذوف إن جعل بدلا ; أي : آتينا
إبراهيم حجة على قومه ، وقيل : بقوله : " آتينا " .
نرفع بنون العظمة ، وقرئ بالياء على طريق الالتفات ، وكذا الفعل الآتي .
درجات ; أي : رتبا عظيمة عالية من العلم والحكمة ، وانتصابها على المصدرية ، أو الظرفية ، أو على نزع الخافض ; أي : إلى درجات ، أو على التمييز ، والمفعول .
قوله تعالى :
من نشاء وتأخيره على الوجوه الثلاثة الأخيرة لما مر من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ، ومفعول المشيئة محذوف ; أي : من نشاء ، رفعه حسبما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة ، وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة على أن ذلك سنة مستمرة ، جارية فيما بين المصطفين الأخيار غير مختصة
بإبراهيم عليه السلام .
وقرئ بالإضافة إلى من ، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها ، لا محل لها من الإعراب . وقيل : هي في محل النصب على أنها حال من فاعل آتينا ; أي : حال كوننا رافعين ... إلخ .
إن ربك حكيم في كل ما فعل من رفع وخفض .
عليم بحال من يرفعه ، واستعداده له على مراتب متفاوتة ، والجملة تعليل لما قبلها ، وفي وضع الرب مضافا إلى ضميره عليه السلام موضع نون العظمة بطريق الالتفات في تضاعيف بيان أحوال
إبراهيم عليه السلام ، إظهار لمزيد لطف وعناية به عليه السلام .