وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون
قوله تعالى :
وأقسموا بالله روي أن
قريشا اقترحوا بعض آيات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني " ؟ فقالوا : نعم ، وأقسموا لئن فعلته لنؤمنن جميعا ; فسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلها طمعا في إيمانهم ، فهم صلى الله عليه وسلم بالدعاء ; فنزلت .
وقوله تعالى :
جهد أيمانهم مصدر في موقع الحال ; أي : أقسموا به تعالى جاهدين في أيمانهم .
لئن جاءتهم آية من مقترحاتهم ، أو من جنس الآيات ، وهو الأنسب بحالهم في المكابرة والعناد ، وترامي أمرهم في العتو والفساد ، حيث كانوا لا يعدون ما يشاهدونه من المعجزات الباهرة من جنس الآيات .
ليؤمنن بها وما كان مرمى غرضهم في ذلك إلا التحكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب المعجزة ، وعدم الاعتداد بما شاهدوا منه من البينات ، الحقيقة بأن تقطع بها الأرض وتسير بها الجبال .
قل إنما الآيات ; أي : كلها ، فيدخل فيها ما اقترحوه دخولا أوليا .
عند الله ; أي : أمرها في حكمه وقضائه خاصة ، يتصرف فيها حسب مشيئته المبنية على الحكم البالغة ، لا تتعلق بها ولا بشأن من شئونها قدرة أحد ولا مشيئته ، لا استقلالا ولا اشتراكا بوجه من الوجوه ، حتى يمكنني أن أتصدى لاستنزالها بالاستدعاء ، وهذا كما ترى سد لباب الاقتراح على أبلغ وجه وأحسنه ،
[ ص: 173 ] ببيان علو شأن الآيات ، وصعوبة منالها ، وتعاليها من أن تكون عرضة للسؤال والاقتراح .
وأما ما قيل : من أن المعنى : إنما الآيات عند الله تعالى لا عندي ، فكيف أجيبكم إليها أو آتيكم بها ، وهو القادر عليها لا أنا حتى آتيكم بها ; فلا مناسبة له بالمقام ، كيف لا وليس مقترحهم مجيئها بغير قدرة الله تعالى وإرادته حتى يجابوا بذلك .
وقوله تعالى :
وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون كلام مستأنف غير داخل تحت الأمر ، مسوق من جهته تعالى لبيان الحكمة الداعية إلى ما أشعر به الجواب السابق من عدم مجيء الآيات ، خوطب به المسلمون إما خاصة بطريق التلوين لما كانوا راغبين في نزولها طمعا في إسلامهم ، وإما معه صلى الله عليه وسلم بطريق التعميم لما روي عنه صلى الله عليه وسلم من الهم بالدعاء ، وقد بين فيه أن أيمانهم فاجرة ، وإيمانهم مما لا يدخل تحت الوجود ، وإن أجيب إلى ما سألوه .
و" ما " استفهامية إنكارية ، لكن لا على أن مرجع الإنكار هو وقوع المشعر به ، بل هو نفس الإشعار مع تحقق المشعر به في نفسه ; أي : وأي شيء يعلمكم أن الآية التي يقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون ، بل يبقون على ما كانوا عليه من الكفر والعناد ; أي : لا تعلمون ذلك فتتمنون مجيئها طمعا في إيمانهم ، فكأنه بسط عذر من جهة المسلمين في تمنيهم نزول الآيات .
وقيل : " لا " مزيدة ، فيتوجه الإنكار إلى الإشعار والمشعر به جميعا ; أي : أي شيء يعلمكم إيمانهم عند مجيء الآيات ، حتى تتمنوا مجيئها طمعا في إيمانهم ، فيكون تخطئة لرأي المسلمين .
وقيل : " أن " بمعنى لعل ، يقال : ادخل السوق أنك تشتري اللحم . وعنك ، وعلك ، ولعلك ، كلها بمعنى ، ويؤيده أنه قرئ : ( لعلها إذا جاءت لا يؤمنون ) على أن الكلام قد تم قبله ، والمفعول الثاني ليشعركم محذوف ، كما في قوله تعالى :
وما يدريك لعله يزكى .
والجملة استئناف لتعليل الإنكار وتقريره ; أي : أي شيء يعلمكم حالهم وما سيكون عند مجيء الآيات ، لعلها إذا جاءت لا يؤمنون بها ، فما لكم تتمنون مجيئها ، فإن تمنيه إنما يليق بما إذا كان إيمانهم بها محقق الوجود عند مجيئها لا مرجو العدم .
وقرئ : ( إنها ) بالكسر على أنه استئناف حسبما سبق مع زيادة تحقيق لعدم إيمانهم ، وقرئ : ( لا تؤمنون ) بالفوقانية ، فالخطاب في " وما يشعركم " للمشركين ، وقرئ : ( وما يشعرهم أنها إذا جاءتهم لا يؤمنون ) فمرجع الإنكار إقدام المشركين على الإقسام المذكور ، مع جهلهم بحال قلوبهم عند مجيء الآيات ، وبكونها حينئذ كما هي الآن .