ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم عطف على "
لا يؤمنون " ، داخل في حكم " ما يشعركم " مقيد بما قيد به ; أي : وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم عن إدراك الحق فلا يفقهونه ، وأبصارهم عن اجتلائه فلا يبصرونه ، لكن لا مع توجهها إليها واستعدادها لقبوله ، بل لكمال نبوها عنه وإعراضها بالكلية ، ولذلك أخر ذكره عن ذكر عدم إيمانهم إشعارا بأصالتهم في الكفر ، وحتما لتوهم أن عدم إيمانهم ناشئ من تقليبه تعالى مشاعرهم بطريق الإجبار .
كما لم يؤمنوا به ; أي : بما جاء من الآيات .
أول مرة ; أي : عند ورود الآيات السابقة ، والكاف في محل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف منصوب بلا يؤمنون ، وما مصدرية ; أي : لا يؤمنون ، بل يكفرون ، كفرا كائنا ككفرهم أول مرة ، وتوسيط تقليب الأفئدة والأبصار بينهما ; لأنه من متممات عدم إيمانهم .
ونذرهم عطف على "
لا يؤمنون " ، داخل في حكم الاستفهام الإنكاري مقيد بما قيد به ، مبين لما هو المراد بتقليب الأفئدة
[ ص: 174 ] والأبصار ، ومعرب عن حقيقته بأنه ليس على ظاهره ، بأن يقلب الله سبحانه مشاعرهم عن الحق مع توجههم إليه واستعدادهم له بطريق الإجبار ، بل بأن يخليهم وشأنهم بعد ما علم فساد استعدادهم ، وفرط نفورهم عن الحق ، وعدم تأثير اللطف فيهم أصلا ، ويطبع على قلوبهم حسبما يقتضيه استعدادهم كما أشرنا إليه .
وقوله تعالى :
في طغيانهم متعلق بنذرهم .
وقوله تعالى :
يعمهون حال من الضمير المنصوب في نذرهم ; أي : ندعهم في طغيانهم متحيرين ، لا نهديهم هداية المؤمنين ، أو مفعول ثان لنذرهم ; أي : نصيرهم عامهين .
وقرئ : ( يقلب ويذر ) بالياء على إسنادهما إلى ضمير الجلالة ، وقرئ : ( تقلب ) بالتاء والبناء للمفعول على إسناده إلى أفئدتهم .