ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ولتصغى إليه ; أي : إلى زخرف القول ، وهو على الوجه الأول علة أخرى للإيحاء معطوفة على غرورا ، وما بينهما اعتراض ، وإنما لم ينصب لفقد شرطه ; إذ الغرور فعل الموحي ، وصغو الأفئدة فعل الموحى إليه ; أي : يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ليغرهم به ولتميل إليه .
أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة إنما خص بالذكر عدم إيمانهم بالآخرة دون ما عداها من الأمور التي يجب الإيمان بها وهم بها كافرون ; إشعارا بما هو المدار في صغو أفئدتهم إلى ما يلقى إليهم ، فإن لذات الآخرة محفوفة في هذه النشأة بالمكاره ، وآلامها مزينة بالشهوات ، فالذين لا يؤمنون بها وبأحوال ما فيها لا يدرون أن وراء تلك المكاره لذات ، ودون هذه الشهوات آلاما ، وإنما ينظرون إلى ما بدا لهم في الدنيا بادي الرأي ، فهم مضطرون إلى حب الشهوات التي من جملها مزخرفات الأقاويل ومموهات الأباطيل .
وأما المؤمنون بها فحيث كانوا واقفين على حقيقة الحال ناظرين إلى عواقب الأمور ، لم يتصور منهم الميل إلى تلك المزخرفات لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتها .
وأما على الوجهين الأخيرين فهو علة لفعل محذوف يدل عليه المقام ; أي : ولكون ذلك جعلنا ما جعلنا ، والمعتزلة جعلوا اللام لام العاقبة ، أو لام القسم ، أو لام الأمر ، وضعفه في غاية الظهور .
وليرضوه لأنفسهم بعد ما مالت إليه أفئدتهم .
وليقترفوا ; أي : يكتسبوا بموجب ارتضائهم له .
ما هم مقترفون له من القبائح التي لا يليق ذكرها .