وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون وكذلك قيل : معناه : كما جعلنا في
مكة أكابر مجرميها ليمكروا فيها .
جعلنا في كل قرية من سائر القرى .
أكابر مجرميها ليمكروا فيها ومفعولا " جعلنا " : أكابر مجرميها ، على تقديم المفعول الثاني ، والظرف لغو ، أو هما الظرف و" أكابر " على أن " مجرميها " بدل ، أو مضاف إليه ، فإن أفعل التفضيل إذا أضيف جاز الإفراد والمطابقة ; ولذلك قرئ : ( أكبر مجرميها ) .
وقيل : "
أكابر مجرميها " مفعوله الأول ، والثاني " ليمكروا فيها " ، ولا يخفى أن أي معنى يراد من هذه المعاني لا بد أن يكون مشهور التحقق عند الناس ، معهودا فيما بينهم حتى يصلح أن تصرف الإشارة عن سباق النظم الكريم ، وتوجه إليه ويجعل مقياسا لنظائره بإخراجه مخرج المصدر التشبيهي .
وظاهر أن ليس الأمر كذلك ، ولا سبيل إلى توجيهها إلى ما يفهم من قوله تعالى :
كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ، وإن كان المراد بهم : أكابر
مكة ; لأن مآل المعنى حينئذ بعد اللتيا والتي ، كما جعلنا أعمال أهل
مكة مزينة لهم ، جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ... إلخ .
فإذن الأقرب أن ذلك إشارة إلى الكفرة المعهودين باعتبار اتصافهم بصفاتهم ، والإفراد بتأويل الفريق أو المذكور ، ومحل الكاف النصب على أنه المفعول الثاني لجعلنا ، قدم
[ ص: 182 ] عليه لإفادة التخصيص ، كما في قوله تعالى :
كذلك كنتم من قبل ... الآية .
والأول "
أكابر مجرميها " ، والظرف لغو ; أي : ومثل أولئك الكفرة الذين هم صناديد
مكة ومجرموها ، جعلنا في كل قرية أكابرها المجرمين ; أي : جعلناهم متصفين بصفات المذكورين ، مزينا لهم أعمالهم ، مصرين على الباطل ، مجادلين به الحق ; ليمكروا فيها ; أي : ليفعلوا المكر فيها ، وهذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى :
وما يمكرون إلا بأنفسهم اعتراض على سبيل الوعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم والوعيد للكفرة ; أي : وما تحيق غائلة مكرهم إلا بهم .
وما يشعرون حال من ضمير يمكرون ، مع اعتبار ورود الاستثناء على النفي ; أي : إنما يمكرون بأنفسهم ، والحال أنهم ما يشعرون بذلك أصلا ، بل يزعمون أنهم يمكرون بغيرهم .