إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون إن الذين فرقوا دينهم استئناف
[ ص: 206 ] لبيان أحوال أهل الكتابين إثر بيان حال المشركين ; أي : بددوه وبعضوه ، فتمسك بكل بعض منه فرقة منهم .
وقرئ : ( فارقوا ) ; أي : باينوا ، فإن ترك بعضه وإن كان بأخذ بعض منه ، ترك للكل ومفارقة له .
وكانوا شيعا ; أي : فرقا ، تشيع كل فرقة إماما لها ، قال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=680495افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلهم في الهاوية إلا واحدة ، وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة كلهم في الهاوية إلا واحدة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في الهاوية إلا واحدة " .
واستثناء الواحدة من فرق كل من أهل الكتابين ، إنما هو بالنظر إلى العصر الماضي قبل النسخ ، وأما بعده فالكل في الهاوية وإن اختلفت أسباب دخولهم .
فمعنى قوله تعالى :
لست منهم في شيء لست من البحث عن تفرقهم ، والتعرض لمن يعاصرك منهم بالمناقشة والمؤاخذة . وقيل : من قتالهم في شيء ، سوى تبليغ الرسالة ، وإظهار شعائر الدين الحق الذي أمرت بالدعوة إليه ، فيكون منسوخا بآية السيف .
وقوله تعالى :
إنما أمرهم إلى الله تعليل للنفي المذكور ; أي : هو يتولى وحده أمر أولاهم وأخراهم ، ويدبره كيف يشاء حسبما تقتضيه الحكمة ، يؤاخذهم في الدنيا متى شاء ويأمر بقتالهم إذا أراد .
وقيل : المفرقون : أهل البدع والأهواء الزائغة من هذه الأمة ، ويرده أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بمؤاخذتهم ، والاعتذار بأن معنى "
لست منهم في شيء " : حينئذ أنت بريء منهم ومن مذهبهم وهم برآء منك ، يأباه التعليل المذكور .
ثم ينبئهم ; أي : يوم القيامة .
بما كانوا يفعلون عبر عن إظهاره بالتنبئة ، لما بينهما من الملابسة في أنهما سببان للعلم ; تنبيها على أنهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه ، غافلين عن سوء عاقبته ; أي : يظهر لهم على رءوس الأشهاد ويعلمهم أي شيء شنيع كانوا يفعلونه في الدنيا على الاستمرار ، ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء .