بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا [ ص: 1144 ] لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون
(90 - 92) يقول تعالى: بل أتينا هؤلاء المكذبين بالحق، المتضمن للصدق في الأخبار، العدل في الأمر والنهي، فما بالهم لا يعترفون به، وهو أحق أن يتبع؟ وليس عندهم ما يعوضهم عنه إلا الكذب والظلم، ولهذا قال:
وإنهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله كذب يعرف بخبر الله وخبر رسله، ويعرف بالعقل الصحيح، ولهذا نبه تعالى على الدليل العقلي على امتناع إلهين فقال:
إذا ؛ أي: لو كان معه آلهة كما يقولون
لذهب كل إله بما خلق ؛ أي: لانفرد كل واحد من الإلهين بمخلوقاته، واستقل بها، ولحرص على ممانعة الآخر ومغالبته،
ولعلا بعضهم على بعض فالغالب يكون هو الإله، فمع التمانع لا يمكن وجود العالم، ولا يتصور أن ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول، واعتبر ذلك بالشمس والقمر، والكواكب الثابتة والسيارة، فإنها منذ خلقت وهي تجري على نظام واحد، وترتيب واحد، كلها مسخرة بالقدرة، مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم، ليست مقصورة على مصلحة أحد دون أحد، ولن ترى فيها خللا ولا تناقضا، ولا معارضة في أدنى تصرف، فهل يتصور أن يكون ذلك تقدير إلهين ربين؟!
سبحان الله عما يصفون قد نطقت بلسان حالها، وأفهمت ببديع أشكالها، أن المدبر لها إله واحد كامل الأسماء والصفات، قد افتقرت إليه جميع المخلوقات، في ربوبيته لها، وفي إلهيته لها، فكما لا وجود لها ولا دوام إلا بربوبيته كذلك لا صلاح لها ولا قوام إلا بعبادته وإفراده بالطاعة، ولهذا نبه على عظمة صفاته بأنموذج من ذلك، وهو علمه المحيط، فقال:
عالم الغيب ؛ أي: الذي غاب عن أبصارنا وعلمنا، من الواجبات والمستحيلات والممكنات،
والشهادة وهو ما نشاهد من ذلك
فتعالى ؛ أي: ارتفع وعظم،
عما يشركون به، ولا علم عندهم إلا ما علمه الله.