ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا
(25 -26) يخبر تعالى عن عظمة يوم القيامة وما فيه من الشدة والكروب ومزعجات القلوب فقال:
ويوم تشقق السماء بالغمام وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه، ينزل من فوق السماوات فتنفطر له السماوات وتشقق، وتنزل ملائكة كل سماء فيقفون صفا صفا، إما صفا واحدا محيطا بالخلائق، وإما كل سماء يكونون صفا ثم السماء التي تليها صفا وهكذا.
القصد أن الملائكة - على كثرتهم وقوتهم - ينزلون محيطين بالخلق مذعنين لأمر ربهم، لا يتكلم منهم أحد إلا بإذن من الله، فما ظنك بالآدمي الضعيف خصوصا الذي بارز مالكه بالعظائم، وأقدم على مساخطه، ثم قدم عليه بذنوب وخطايا لم يتب منها، فيحكم فيه الملك الخلاق بالحكم الذي لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة؛ ولهذا قال:
وكان يوما على الكافرين عسيرا لصعوبته الشديدة وتعسر أموره عليه، بخلاف المؤمن فإنه
[ ص: 1196 ] يسير عليه، خفيف الحمل،
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا .
وقوله:
الملك يومئذ أي: يوم القيامة
الحق للرحمن لا يبقى لأحد من المخلوقين ملك ولا صورة ملك، كما كانوا في الدنيا، بل قد تساوت الملوك ورعاياهم والأحرار والعبيد والأشراف وغيرهم، ومما يرتاح له القلب وتطمئن به النفس وينشرح له الصدر أن أضاف الملك في يوم القيامة لاسمه "الرحمن" الذي وسعت رحمته كل شيء، وعمت كل حي، وملأت الكائنات، وعمرت بها الدنيا والآخرة، وتم بها كل ناقص وزال بها كل نقص، وغلبت الأسماء الدالة عليه الأسماء الدالة على الغضب، وسبقت رحمته غضبه وغلبته، فلها السبق والغلبة، وخلق هذا الآدمي الضعيف وشرفه وكرمه ليتم عليه نعمته، وليتغمده برحمته، وقد حضروا في موقف الذل والخضوع والاستكانة بين يديه ينتظرون ما يحكم فيهم وما يجري عليهم، وهو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم، فما ظنك بما يعاملهم به؟! ولا يهلك على الله إلا هالك، ولا يخرج من رحمته إلا من غلبت عليه الشقاوة وحقت عليه كلمة العذاب.
(27)
ويوم يعض الظالم بشركه وكفره وتكذيبه للرسل
على يديه تأسفا وتحسرا وحزنا وأسفا
يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا أي طريقا بالإيمان به وتصديقه واتباعه.
(28)
يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا وهو الشيطان الإنسي أو الجني،
خليلا أي: حبيبا مصافيا، عاديت أنصح الناس لي وأبرهم بي وأرفقهم بي، وواليت أعدى عدو لي الذي لم تفدني ولايته إلا الشقاء والخسار والخزي والبوار.
(29)
لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني حيث زين له ما هو عليه من الضلال بخدعه وتسويله،
وكان الشيطان للإنسان خذولا يزين له الباطل ويقبح له الحق، ويعده الأماني، ثم يتخلى عنه ويتبرأ منه، كما قال لجميع أتباعه حين قضي الأمر، وفرغ الله من حساب الخلق:
وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل الآية. فلينظر العبد لنفسه وقت الإمكان،
[ ص: 1197 ] وليتدارك الممكن قبل أن لا يمكن، وليوال من ولايته فيها سعادته وليعاد من تنفعه عداوته وتضره صداقته. والله الموفق.