وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا
(41) أي: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لآيات الله المستكبرون في الأرض استهزؤوا بك واحتقروك وقالوا - على وجه الاحتقار والاستصغار -
أهذا الذي بعث الله رسولا أي: غير مناسب ولا لائق أن يبعث الله هذا الرجل، وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم وقلبهم الحقائق، فإن كلامهم هذا يفهم أن الرسول –حاشاه - في غاية الخسة والحقارة، وأنه لو كانت الرسالة لغيره لكان أنسب:
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فهذا الكلام لا يصدر إلا من أجهل الناس وأضلهم، أو من أعظمهم عنادا وهو متجاهل، قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن جاء به، وإلا فمن تدبر أحوال
محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وجده رجل العالم وهمامهم ومقدمهم في العقل والعلم واللب والرزانة ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والعفة
[ ص: 1200 ] والشجاعة والكرم وكل خلق فاضل، وأن المحتقر له والشانئ له قد جمع من السفه والجهل والضلال والتناقض والظلم والعدوان ما لا يجمعه غيره، وحسبه جهلا وضلالا أن يقدح بهذا الرسول العظيم والهمام الكريم، والقصد من قدحهم فيه واستهزائهم به تصلبهم على باطلهم وغرورا لضعفاء العقول. (42) ولهذا قالوا:
إن كاد هذا الرجل
ليضلنا عن آلهتنا بأن يجعل الآلهة إلها واحدا
لولا أن صبرنا عليها لأضلنا زعموا - قبحهم الله - أن الضلال هو التوحيد، وأن الهدى ما هم عليه من الشرك، فلهذا تواصوا بالصبر عليه:
وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم ، وهنا قالوا:
لولا أن صبرنا عليها والصبر يحمد في المواضع كلها إلا في هذا الموضع؛ فإنه صبر على أسباب الغضب وعلى الاستكثار من حطب جهنم، وأما المؤمنون فهم كما قال الله عنهم:
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ولما كان هذا حكما منهم بأنهم المهتدون والرسول ضال وقد تقرر أنهم لا حيلة فيهم توعدهم بالعذاب وأخبر أنهم في ذلك الوقت
حين يرون العذاب يعلمون علما حقيقيا
من هو
أضل سبيلا ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا الآيات.
(43) وهل فوق ضلال من جعل إلهه معبوده هواه، فما هويه فعله فلهذا قال:
أرأيت من اتخذ إلهه هواه ألا تعجب من حاله وتنظر ما هو فيه من الضلال؟ وهو يحكم لنفسه بالمنازل الرفيعة،
أفأنت تكون عليه وكيلا أي: لست عليه بمسيطر مسلط بل إنما أنت منذر، قد قمت بوظيفتك، وحسابه على الله.
(44) ثم سجل تعالى على ضلالهم البليغ بأن سلبهم العقول والأسماع، وشبههم في ضلالهم بالأنعام السائمة التي لا تسمع إلا دعاء ونداء
صم بكم عمي فهم لا يعقلون بل هم أضل من الأنعام؛ فإن الأنعام يهديها راعيها فتهتدي، وتعرف طريق هلاكها فتجتنبه، وهي أيضا أسلم عاقبة من هؤلاء، فتبين بهذا أن الرامي للرسول بالضلال أحق بهذا الوصف، وأن كل حيوان بهيم فهو أهدى منه.