وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون
(192) لما ذكر قصص الأنبياء مع أممهم، وكيف دعوهم، وما ردوا عليهم به; وكيف أهلك الله أعداءهم، وصارت لهم العاقبة، ذكر هذا الرسول الكريم، والنبي المصطفى العظيم وما جاء به من الكتاب، الذي فيه هداية لأولي الألباب، فقال:
وإنه لتنزيل رب العالمين فالذي أنزله
فاطر الأرض والسماوات، المربي جميع العالم العلوي والسفلي ، وكما أنه رباهم بهدايتهم لمصالح دنياهم وأبدانهم فإنه يربيهم أيضا بهدايتهم لمصالح دينهم وأخراهم، ومن أعظم ما رباهم به إنزال هذا الكتاب الكريم، الذي اشتمل على الخير الكثير، والبر الغزير، وفيه من الهداية لمصالح الدارين والأخلاق الفاضلة ما ليس في غيره، وفي قوله:
وإنه لتنزيل رب العالمين من تعظيمه وشدة الاهتمام فيه من كونه نزل من الله لا من غيره، مقصودا فيه نفعكم وهدايتكم.
(193 - 195
نزل به الروح الأمين وهو
جبريل - عليه السلام - الذي هو أفضل الملائكة وأقواهم
الأمين الذي قد أمن أن يزيد فيه أو ينقص،
على قلبك يا
محمد لتكون من المنذرين تهدي به إلى طريق الرشاد، وتنذر به عن طريق الغي،
بلسان عربي وهو أفضل الألسنة، بلغة من بعث إليهم، وباشر دعوتهم أصلا، اللسان البين الواضح. وتأمل كيف اجتمعت هذه الفضائل الفاخرة في هذا الكتاب الكريم، فإنه أفضل الكتب، نزل به أفضل الملائكة، على أفضل الخلق، على أفضل بضعة فيه وهي قلبه، على أفضل أمة أخرجت للناس، بأفضل الألسنة وأفصحها وأوسعها، وهو: اللسان العربي المبين.
[ ص: 1234 ] (196)
وإنه لفي زبر الأولين أي: قد بشرت به كتب الأولين وصدقته، وهو لما نزل طبق ما أخبرت به صدقها، بل جاء بالحق، وصدق المرسلين.
(197)
أولم يكن لهم آية على صحته، وأنه من الله
أن يعلمه علماء بني إسرائيل الذي قد انتهى إليهم العلم، وصاروا أعلم الناس، وهم أهل الصنف، فإن كل شيء يحصل به اشتباه يرجع فيه إلى أهل الخبرة والدراية، فيكون قولهم حجة على غيرهم، كما عرف السحرة الذين مهروا في علم السحر صدق معجزة موسى، وأنه ليس بسحر، فقول الجاهلين بعد هذا لا يؤبه به.
(198 - 199
ولو نزلناه على بعض الأعجمين الذين لا يفقهون لسانهم، ولا يقدرون على التعبير لهم كما ينبغي،
فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين يقولون: ما نفقه ما يقول، ولا ندري ما يدعو إليه، فليحمدوا ربهم أن جاءهم على لسان أفصح الخلق، وأقدرهم على التعبير عن المقاصد بالعبارات الواضحة، وأنصحهم، وليبادروا إلى التصديق به، وتلقيه بالتسليم والقبول. (200 - 203) ولكن تكذيبهم له من غير شبهة إن هو إلا محض الكفر والعناد، وأمر قد توارثته الأمم المكذبة، فلهذا قال:
كذلك سلكناه في قلوب المجرمين أي: أدخلنا التكذيب وأنظمناه في قلوب أهل الإجرام، كما يدخل السلك في الإبرة، فتشربته، وصار وصفا لها، وذلك بسبب ظلمهم وجرمهم، فلذلك:
لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم على تكذيبهم،
فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون أي: يأتيهم على حين غفلة، وعدم إحساس منهم ولا استشعار بنزوله؛ ليكون أبلغ في عقوبتهم والنكال بهم،
فيقولوا إذ ذاك:
هل نحن منظرون أي: يطلبون أن ينظروا ويمهلوا، والحال أنه قد فات الوقت، وحل بهم العذاب الذي لا يرفع عنهم، ولا يفتر ساعة.