كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
(213) أي: كانوا مجتمعين على الهدى، وذلك عشرة قرون بعد نوح عليه السلام، فلما اختلفوا في الدين فكفر فريق منهم وبقي الفريق الآخر على الدين، وحصل النزاع وبعث الله الرسل ليفصلوا بين الخلائق ويقيموا الحجة عليهم، وقيل بل كانوا مجتمعين على الكفر والضلال والشقاء، ليس لهم نور ولا إيمان، فرحمهم الله تعالى بإرسال الرسل إليهم
مبشرين من أطاع الله بثمرات الطاعات من الرزق والقوة في البدن والقلب والحياة الطيبة، وأعلى ذلك الفوز برضوان الله والجنة،
ومنذرين من عصى الله بثمرات المعصية من حرمان الرزق والضعف والإهانة والحياة الضيقة، وأشد ذلك سخط الله والنار.
وأنزل معهم الكتاب بالحق وهو الإخبارات الصادقة والأوامر العادلة، فكل ما اشتملت عليه الكتب فهو حق، يفصل بين المختلفين في الأصول
[ ص: 157 ] والفروع، وهذا هو الواجب عند الاختلاف والتنازع، أن يرد الاختلاف إلى الله وإلى رسوله، ولولا أن في كتابه وسنة رسوله فصل النزاع لما أمر بالرد إليهما.
ولما ذكر نعمته العظيمة بإنزال الكتب على أهل الكتاب، وكان هذا يقتضي اتفاقهم عليها واجتماعهم، فأخبر تعالى أنهم بغى بعضهم على بعض، وحصل النزاع والخصام وكثرة الاختلاف.
فاختلفوا في الكتاب الذي ينبغي أن يكونوا أولى الناس بالاجتماع عليه، وذلك من بعد ما علموه وتيقنوه بالآيات البينات والأدلة القاطعات، فضلوا بذلك ضلالا بعيدا،
فهدى الله الذين آمنوا من هذه الأمة
لما اختلفوا فيه من الحق فكل ما اختلف فيه أهل الكتاب وأخطأوا فيه الحق والصواب، هدى الله للحق فيه هذه الأمة
بإذنه تعالى وتيسيره لهم ورحمته.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فعم الخلق تعالى بالدعوة إلى الصراط المستقيم، عدلا منه تعالى، وإقامة حجة على الخلق، لئلا يقولوا:
ما جاءنا من بشير ولا نذير وهدى - بفضله ورحمته وإعانته ولطفه - من شاء من عباده، فهذا فضله وإحسانه، وذاك عدله وحكمته تبارك وتعالى.