وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين [ ص: 1293 ] (60) هذا حض منه تعالى لعباده على
الزهد في الدنيا وعدم الاغترار بها، وعلى الرغبة في الأخرى، وجعلها مقصود العبد ومطلوبه، ويخبرهم أن جميع ما أوتيه الخلق من الذهب، والفضة، والحيوانات والأمتعة، والنساء، والبنين، والمآكل، والمشارب واللذات، كلها متاع الحياة الدنيا وزينتها، أي: يتمتع به وقتا قصيرا متاعا قاصرا، محشوا بالمنغصات ممزوجا بالغصص، ويتزين به زمانا يسيرا للفخر والرياء، ثم يزول ذلك سريعا، وينقضي جميعا، ولم يستفد صاحبه منه إلا الحسرة والندم، والخيبة والحرمان،
وما عند الله من النعيم المقيم، والعيش السليم
خير وأبقى أي: أفضل في وصفه وكميته، وهو دائم أبدا، ومستمر سرمدا،
أفلا تعقلون أي: أفلا تكون لكم عقول بها تزنون أي الأمرين أولى بالإيثار؟! وأي الدارين أحق للعمل لها؟! فدل ذلك أنه بحسب عقل العبد، يؤثر الأخرى على الدنيا، وأنه ما آثر أحد الدنيا إلا لنقص في عقله.
(61) ولهذا نبه العقول على الموازنة بين عاقبة مؤثر الدنيا ومؤثر الآخرة، فقال:
أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه ، أي: هل يستوي مؤمن ساع للآخرة سعيها، قد عمل على وعد ربه له، بالثواب الحسن، الذي هو الجنة، وما فيها من النعيم العظيم، فهو لاقيه من غير شك ولا ارتياب، لأنه وعد من كريم صادق الوعد، لا يخلف الميعاد، لعبد قام بمرضاته وجانب سخطه،
كمن متعناه متاع الحياة الدنيا فهو يأخذ فيها ويعطي، ويأكل ويشرب، ويتمتع كما تتمتع البهائم، قد اشتغل بدنياه عن آخرته، ولم يرفع بهدى الله رأسا، ولم ينقد للمرسلين، فهو لا يزال كذلك، لا يتزود من دنياه إلا الخسار والهلاك.
ثم هو يوم القيامة من المحضرين للحساب، وقد علم أنه لم يقدم خيرا لنفسه، وإنما قدم جميع ما يضره، وانتقل إلى دار الجزاء بالأعمال، فما ظنكم إلام يصير إليه؟! وما تحسبون ما يصنع به؟! فليختر العاقل لنفسه، ما هو أولى بالاختيار، وأحق الأمرين بالإيثار.