تفسير سورة الأحزاب وهي مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا
(1-2) أي: يا أيها الذي من الله عليه بالنبوة، واختصه بوحيه، وفضله على سائر الخلق، اشكر نعمة ربك عليك، باستعمال تقواه، التي أنت أولى بها من غيرك، والتي يجب عليك منها، أعظم من سواك، فامتثل أوامره ونواهيه، وبلغ رسالاته، وأد إلى عباده وحيه، وابذل النصيحة للخلق، ولا يصدنك عن هذا المقصود صاد، ولا يردك عنه راد، فلا تطع كل كافر، قد أظهر العداوة لله ولرسوله، ولا منافق قد استبطن التكذيب والكفر، وأظهر ضده، فهؤلاء هم الأعداء على الحقيقة، فلا تطعهم في بعض الأمور، التي تنقض التقوى وتناقضها، ولا تتبع أهواءهم، يضلوك عن الصواب.
( و ) لكن " اتبع ما يوحى إليك من ربك " فإنه هو الهدى والرحمة، وارج بذلك ثواب ربك، فإنه
بما تعملون خبيرا ، يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم، من الخير والشر.
(3) فإن وقع في قلبك، أنك إن لم تطعهم في أهوائهم المضلة، حصل عليك منهم ضرر، أو حصل نقص في هداية الخلق، فادفع ذلك عن نفسك، واستعمل ما يقاومه ويقاوم غيره، وهو
التوكل على الله، بأن تعتمد على ربك، اعتماد من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة، ولا نشورا، في سلامتك من شرهم، وفي إقامة الدين، الذي أمرت به، وثق بالله في حصول ذلك الأمر على أي حال كان.
وكفى بالله وكيلا توكل إليه الأمور، فيقوم بها، وبما هو أصلح للعبد، وذلك لعلمه بمصالح عبده، من حيث لا يعلم العبد، وقدرته على إيصالها إليه، من حيث لا يقدر عليها العبد، وأنه أرحم بعبده من نفسه، ومن والديه، وأرأف به من كل
[ ص: 1371 ] أحد، خصوصا خواص عبيده، الذين لم يزل يربيهم ببره، ويدر عليهم بركاته الظاهرة والباطنة، خصوصا وقد أمره بإلقاء أموره إليه، ووعده أن يقوم بها، فهناك لا تسأل عن كل أمر يتيسر، وصعب يتسهل، وخطوب تهون، وكروب تزول، وأحوال وحوائج تقضى، وبركات تنزل، ونقم تدفع، وشرور ترفع، وهناك ترى العبد الضعيف، الذي فوض أمره لسيده قد قام بأمور لا تقوم بها أمة من الناس، وقد سهل الله عليه ما كان يصعب على فحول الرجال وبالله المستعان.