ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما
(4) يعاتب تعالى عباده عن التكلم بما لا حقيقة له من الأقوال، ولم يجعله الله تعالى كما قالوا، فإن ذلك القول منكم كذب وزور، يترتب عليه منكرات من الشرع. وهذه قاعدة عامة في التكلم في كل شيء، والإخبار بوقوع ووجود، ما لم يجعله الله تعالى.
ولكن خص هذه الأشياء المذكورة، لوقوعها، وشدة الحاجة إلى بيانها، فقال:
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه هذا لا يوجد، فإياكم أن تقولوا عن أحد: إن له قلبين في جوفه، فتكونوا كاذبين على الخلقة الإلهية.
وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن بأن يقول أحدكم لزوجته: "أنت علي كظهر أمي أو كأمي" فما جعلهن الله
أمهاتكم أمك من ولدتك، وصارت أعظم النساء عليك، حرمة وتحريما، وزوجتك أحل النساء لك، فكيف تشبه أحد المتناقضين بالآخر؟
هذا أمر لا يجوز، كما قال تعالى:
الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وما جعل أدعياءكم أبناءكم والأدعياء، الولد الذي كان الرجل يدعيه، وهو ليس له، أو يدعى إليه، بسبب تبنيه إياه، كما كان الأمر بالجاهلية، وأول الإسلام، فأراد الله تعالى أن يبطله ويزيله، فقدم بين يدي ذلك بيان قبحه، وأنه باطل وكذب، وكل باطل وكذب، لا يوجد في شرع الله، ولا يتصف به عباد الله.
[ ص: 1372 ] يقول تعالى: فالله لم يجعل الأدعياء الذين تدعونهم، أو يدعون إليكم، أبناءكم، فإن أبناءكم في الحقيقة، من ولدتموهم، وكانوا منكم، وأما هؤلاء الأدعياء من غيركم، فلا جعل الله هذا كهذا.
ذلكم القول، الذي تقولون في الدعي: إنه ابن فلان، الذي ادعاه، أو والده فلان
قولكم بأفواهكم أي: قول لا حقيقة له ولا معنى له.
والله يقول الحق أي: اليقين والصدق، فلذلك أمركم باتباعه، على قوله وشرعه، فقوله حق، وشرعه حق، والأقوال والأفعال الباطلة، لا تنسب إليه بوجه من الوجوه، وليست من هدايته، لأنه لا يهدي إلا إلى السبيل المستقيمة، والطرق الصادقة.
وإن كان ذلك واقعا بمشيئته، فمشيئته عامة، لكل ما وجد من خير وشر.
(5) ثم صرح لهم بترك الحالة الأولى، المتضمنة للقول الباطل فقال:
ادعوهم أي: الأدعياء
لآبائهم الذين ولدوهم
هو أقسط عند الله أي: أعدل، وأقوم، وأهدى.
فإن لم تعلموا آباءهم الحقيقيين
فإخوانكم في الدين ومواليكم أي: إخوتكم في دين الله، ومواليكم في ذلك، فادعوهم بالأخوة الإيمانية الصادقة، والموالاة على ذلك، فترك الدعوة إلى من تبناهم حتم، لا يجوز فعلها.
وأما دعاؤهم لآبائهم، فإن علموا، دعوا إليهم، وإن لم يعلموا، اقتصر على ما يعلم منهم، وهو أخوة الدين والموالاة، فلا تظنوا أن حالة عدم علمكم بآبائهم، عذر في دعوتهم إلى من تبناهم، لأن المحذور لا يزول بذلك.
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به بأن سبق على لسان أحدكم، دعوته إلى من تبناه، فهذا غير مؤاخذ به، أو علم أبوه ظاهرا، فدعوتموه إليه وهو في الباطن، غير أبيه، فليس عليكم في ذلك حرج، إذا كان خطأ،
ولكن يؤاخذكم بما تعمدت قلوبكم من الكلام، بما لا يجوز.
وكان الله غفورا رحيما غفر لكم ورحمكم، حيث لم يعاقبكم بما سلف، وسمح لكم بما أخطأتم به، ورحمكم حيث بين لكم أحكامه التي تصلح دينكم ودنياكم، فله الحمد تعالى.