يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا
(45) هذه الأشياء التي وصف الله بها رسوله
محمدا صلى الله عليه وسلم، هي المقصود من رسالته، وزبدتها وأصولها، التي اختص بها، وهي خمسة أشياء:
[ ص: 1392 ] أحدها: كونه
شاهدا أي: شاهدا على أمته بما عملوه، من خير وشر، كما قال تعالى:
لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فهو صلى الله عليه وسلم شاهد عدل مقبول.
الثاني والثالث: كونه " مبشرا ونذيرا " وهذا يستلزم ذكر المبشر والمنذر، وما يبشر به وينذر، والأعمال الموجبة لذلك.
فالمبشر هم: المؤمنون المتقون، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، وترك المعاصي، لهم البشرى في الحياة الدنيا، بكل ثواب دنيوي وديني، رتب على الإيمان والتقوى، وفي الأخرى بالنعيم المقيم، وذلك كله يستلزم ذكر تفصيل المذكور، من تفاصيل الأعمال، وخصال التقوى، وأنواع الثواب.
والمنذر هم: المجرمون الظالمون، أهل الظلم والجهل، لهم النذارة في الدنيا، من العقوبات الدنيوية والدينية، المترتبة على الجهل والظلم، وفي الأخرى، بالعقاب الوبيل، والعذاب الطويل. وهذه الجملة تفصيلها ما جاء به صلى الله عليه وسلم، من الكتاب والسنة، المشتمل على ذلك.
(46) الرابع: كونه " داعيا إلى الله " أي: أرسله الله، يدعو الخلق إلى ربهم، ويشوقهم لكرامته، ويأمرهم بعبادته، التي خلقوا لها، وذلك يستلزم استقامته، على ما يدعو إليه، وذكر تفاصيل ما يدعو إليه، بتعريفهم لربهم بصفاته المقدسة، وتنزيهه عما لا يليق بجلاله، وذكر أنواع العبودية، والدعوة إلى الله بأقرب طريق موصل إليه، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإخلاص الدعوة إلى الله، لا إلى نفسه وتعظيمها، كما قد يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام، وذلك كله بإذن ربه له في الدعوة وأمره وإرادته وقدره.
الخامس: كونه " سراجا منيرا " وذلك يقتضي أن الخلق في ظلمة عظيمة، لا نور، يهتدى به في ظلماتها، ولا علم يستدل به في جهاتها حتى جاء الله بهذا النبي الكريم، فأضاء الله به تلك الظلمات، وعلم به من الجهالات، وهدى به ضلالا إلى الصراط المستقيم، فأصبح أهل الاستقامة، قد وضح لهم الطريق، فمشوا خلف هذا الإمام وعرفوا به الخير والشر، وأهل السعادة من أهل الشقاوة، واستناروا به،
[ ص: 1393 ] لمعرفة معبودهم، وعرفوه بأوصافه الحميدة، وأفعاله السديدة، وأحكامه الرشيدة.
(47) وقوله:
وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ذكر في هذه الجملة المبشر، وهم المؤمنون، وعند ذكر الإيمان بمفرده تدخل فيه الأعمال الصالحة.
وذكر المبشر به، وهو الفضل الكبير، أي: العظيم الجليل، الذي لا يقادر قدره، من النصر في الدنيا، وهداية القلوب، وغفران الذنوب، وكشف الكروب، وكثرة الأرزاق الدارة، وحصول النعم السارة، والفوز برضا ربهم وثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه، وهذا مما ينشط العاملين، أن يذكر لهم، من ثواب الله على أعمالهم، ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم، وهذا من جملة حكم الشرع، كما أن من حكمه، أن يذكر في مقام الترهيب، العقوبات المترتبة على ما يرهب منه، ليكون عونا على الكف عما حرم الله.
(48) ولما كان ثم طائفة من الناس، مستعدة للقيام بصد الداعين إلى الله، من الرسل وأتباعهم، وهم المنافقون، الذين أظهروا الموافقة في الإيمان، وهم كفرة فجرة في الباطن، والكفار ظاهرا وباطنا، نهى الله رسوله عن طاعتهم، وحذره ذلك فقال:
ولا تطع الكافرين والمنافقين أي: في كل أمر يصد عن سبيل الله، ولكن لا يقتضي هذا أذاهم، بل لا تطعهم
ودع أذاهم فإن ذلك جالب لهم، وداع إلى قبول الإسلام، وإلى كف كثير من أذيتهم له، ولأهله.
وتوكل على الله في إتمام أمرك، وخذلان عدوك،
وكفى بالله وكيلا توكل إليه الأمور المهمة، فيقوم بها، ويسهلها على عبده.