ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [ ص: 1411 ] (12) لما ذكر فضله على
داود عليه السلام، ذكر فضله على ابنه
سليمان، عليه الصلاة والسلام، وأن الله سخر له الريح تجري بأمره وتحمله وتحمل جميع ما معه، وتقطع المسافة البعيدة جدا في مدة يسيرة، فتسير في اليوم مسيرة شهرين.
غدوها شهر أي: أول النهار إلى الزوال
ورواحها شهر من الزوال إلى آخر النهار
وأسلنا له عين القطر أي: سخرنا له عين النحاس، وسهلنا له الأسباب، في استخراج ما يستخرج منها من الأواني وغيرها.
وسخر الله له أيضا الشياطين والجن، لا يقدرون أن يستعصوا عن أمره،
ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير .
(13) وأعمالهم كل ما شاء
سليمان، عملوه
من محاريب وهو كل بناء يعقد وتحكم به الأبنية، فهذا فيه ذكر الأبنية الفخمة،
وتماثيل أي: صور الحيوانات والجمادات، من إتقان صنعتهم، وقدرتهم على ذلك وعملهم
لسليمان وجفان كالجواب أي: كالبرك الكبار، يعملونها
لسليمان للطعام، لأنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه غيره ، (و) يعملون له قدورا
راسيات لا تزال عن أماكنها من عظمها.
فلما ذكر منته عليهم أمرهم بشكرها فقال:
اعملوا آل داود وهم
داود، وأولاده، وأهله، لأن المنة على الجميع، وكثير من هذه المصالح عائد لكلهم.
شكرا لله على ما أعطاهم، ومقابلة لما أولاهم.
وقليل من عبادي الشكور فأكثرهم لم يشكروا الله تعالى على ما أولاهم من نعمه، ودفع عنهم من النقم.
والشكر: اعتراف القلب بمنة الله تعالى، وتلقيها افتقارا إليها، وصرفها في طاعة الله تعالى، وصونها عن صرفها في المعصية.
(14) فلم يزل الشياطين يعملون
لسليمان عليه الصلاة والسلام كل بناء، وكانوا قد موهوا على الإنس، وأخبروهم أنهم يعلمون الغيب، ويطلعون على المكنونات، فأراد الله تعالى أن يري العباد كذبهم في هذه الدعوى، فمكثوا يعملون على عملهم، وقضى الله الموت على
سليمان عليه السلام، واتكأ على عصاه، وهي المنسأة، فصاروا إذا مروا به وهو متكئ عليها، ظنوه حيا، وهابوه، فغدوا على عملهم كذلك سنة كاملة على ما قيل، حتى سلطت دابة الأرض على عصاه، فلم
[ ص: 1412 ] تزل ترعاه، حتى باد وسقط فسقط
سليمان، وتفرقت الشياطين وتبينت الإنس أن الجن
لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين وهو العمل الشاق عليهم، فلو علموا الغيب لعلموا موت سليمان، الذي هم أحرص شيء عليه، ليسلموا مما هم فيه.