قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم
(24) يأمر تعالى، نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم، أن يقول لمن أشرك بالله ويسأله عن صحة
[ ص: 1417 ] شركه:
من يرزقكم من السماوات والأرض فإنهم لا بد أن يقروا أنه الله، ولئن لم يقروا فـ
قل الله فإنك لا تجد من يدفع هذا القول، فإذا تبين أن الله وحده الذي يرزقكم من السماوات والأرض، وينزل لكم المطر، وينبت لكم النبات، ويفجر لكم الأنهار، ويطلع لكم من ثمار الأشجار، وجعل لكم الحيوانات جميعها، لنفعكم ورزقكم، فلم تعبدون معه من لا يرزقكم شيئا، ولا يفيدكم نفعا؟
وقوله:
وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين أي: إحدى الطائفتين منا ومنكم على الهدى مستعلية عليه، أو في ضلال بين منغمرة فيه.
وهذا الكلام يقوله من تبين له الحق، واتضح له الصواب، وجزم بالحق الذي هو عليه، وبطلان ما عليه خصمه.
أي: قد شرحنا من الأدلة الواضحة عندنا وعندكم، ما به يعلم علما يقينا لا شك فيه من المحق منا، ومن المبطل، ومن المهتدي ومن الضال؟ حتى إنه يصير التعيين بعد ذلك، لا فائدة فيه، فإنك إذا وازنت بين من يدعو إلى عبادة الخالق، لسائر المخلوقات المتصرف فيها، بجميع أنواع التصرفات، المسدي جميع النعم، الذي رزقهم وأوصل إليهم كل نعمة، ودفع عنهم كل نقمة، الذي له الحمد كله، والملك كله، وكل أحد من الملائكة فما دونهم، خاضعون لهيبته، متذللون لعظمته، وكل الشفعاء تخافه، لا يشفع أحد منهم عنده إلا بإذنه العلي الكبير، في ذاته، وأوصافه، وأفعاله، الذي له كل كمال، وكل جلال، وكل جمال، وكل حمد وثناء ومجد، يدعو إلى التقرب لمن هذا شأنه، وإخلاص العمل له، وينهى عن عبادة من سواه، وبين من يتقرب إلى أوثان، وأصنام، وقبور لا تخلق، ولا ترزق، ولا تملك لأنفسها، ولا لمن عبدها نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة، ولا نشورا، بل هي جمادات، لا تعقل، ولا تسمع دعاء عابديها، ولو سمعته ما استجابت لهم، ويوم القيامة يكفرون بشركهم، ويتبرأون منهم، ويتلاعنون بينهم، ليس لهم قسط من الملك، ولا شركة فيه، ولا إعانة فيه، ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون الله، فهو يدعو من هذا وصفه، ويتقرب إليه مهما أمكنه، ويعادي من أخلص الدين لله ويحاربه، ويكذب رسل الله، الذين جاءوا بالإخلاص لله وحده، تبين لك أي الفريقين، المهتدي من الضال، والشقي من السعيد؟ ولم يحتج إلى أن يعين لك ذلك، لأن وصف الحال أوضح من لسان المقال.
[ ص: 1418 ] (25)
قل لهم :
لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون أي: كل منا ومنكم، له عمله أنتم لا تسألون عن إجرامنا وذنوبنا لو أذنبنا، ونحن لا نسأل عن أعمالكم، فليكن المقصود منا ومنكم طلب الحقائق وسلوك طريق الإنصاف، ودعوا ما كنا نعمل، ولا يكن مانعا لكم من اتباع الحق، فإن أحكام الدنيا تجري على الظواهر، ويتبع فيها الحق، ويجتنب الباطل، وأما الأعمال فلها دار أخرى، يحكم فيها أحكم الحاكمين، ويفصل بين المختصمين أعدل العادلين.
(26) ولهذا قال:
قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا أي: يحكم بيننا حكما، يتبين به الصادق من الكاذب، والمستحق للثواب من المستحق للعقاب، وهو خير الفاتحين.
(27)
قل لهم يا أيها الرسول، ومن ناب منابك:
أروني الذين ألحقتم به شركاء أي: أين هم؟ وأين السبيل إلى معرفتهم؟ وهل هم في الأرض، أم في السماء؟ فإن عالم الغيب والشهادة قد أخبرنا أنه ليس في الوجود له شريك.
ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم الآية
وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون
وكذلك خواص خلقه من الأنبياء والمرسلين، لا يعلمون له شريكا، فيا أيها المشركون أروني الذين ألحقتم بزعمكم الباطل بالله شركاء! وهذا السؤال لا يمكنهم الإجابة عنه، ولهذا قال:
كلا أي: ليس لله شريك، ولا ند، ولا ضد.
بل هو الله الذي لا يستحق التأله والتعبد، إلا هو
العزيز الذي قهر كل شيء فكل ما سواه، فهو مقهور مسخر مدبر.
الحكيم الذي أتقن ما خلقه، وأحسن ما شرعه، ولو لم يكن في حكمته في شرعه إلا أنه أمر بتوحيده، وإخلاص الدين له، وأحب ذلك، وجعله طريقا للنجاة، ونهى عن الشرك به، واتخاذ الأنداد من دونه، وجعل ذلك طريقا للشقاء والهلاك، لكفى بذلك برهانا على كمال حكمته، فكيف وجميع ما أمر به ونهى عنه، مشتمل على الحكمة؟!
[ ص: 1419 ]