إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون
(40) يقول تعالى:
إلا عباد الله المخلصين فإنهم غير ذائقي العذاب الأليم، لأنهم أخلصوا لله الأعمال، فأخلصهم، واختصهم برحمته، وجاد عليهم بلطفه.
[ ص: 1469 ] (41-42
أولئك لهم رزق معلوم أي: غير مجهول، وإنما هو رزق عظيم جليل، لا يجهل أمره، ولا يبلغ كنهه.
فسره بقوله:
فواكه من جميع أنواع الفواكه التي تتفكه بها النفس، للذتها في لونها وطعمها.
وهم مكرمون لا مهانون محتقرون، بل معظمون مبجلون موقرون. قد أكرم بعضهم بعضا، وأكرمتهم الملائكة الكرام، وصاروا يدخلون عليهم من كل باب، ويهنئونهم ببلوغ أهنأ الثواب، وأكرمهم أكرم الأكرمين، وجاد عليهم بأنواع الكرامات، من نعيم القلوب والأرواح والأبدان.
(43)
في جنات النعيم أي: الجنات التي النعيم وصفها، والسرور نعتها، وذلك لما جمعته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وسلمت من كل مخل بنعيمها، من جميع المكدرات والمنغصات.
(44) ومن كرامتهم عند ربهم، وإكرام بعضهم بعضا، أنهم
على سرر وهي المجالس المرتفعة، المزينة بأنواع الأكسية الفاخرة، المزخرفة المجملة، فهم متكئون عليها، على وجه الراحة والطمأنينة، والفرح.
متقابلين فيما بينهم قد صفت قلوبهم، ومحبتهم فيما بينهم، ونعموا باجتماع بعضهم مع بعض، فإن مقابلة وجوههم، تدل على تقابل قلوبهم، وتأدب بعضهم مع بعض فلم يستدبره، أو يجعله إلى جانبه، بل من كمال السرور- والأدب، ما دل عليه ذلك التقابل.
(45-47
يطاف عليهم بكأس من معين أي: يتردد الولدان المستعدون لخدمتهم عليهم بالأشربة اللذيذة، بالكاسات الجميلة المنظر، المترعة من الرحيق المختوم بالمسك، وهي كاسات الخمر، وتلك الخمر تخالف خمر الدنيا من كل وجه، فإنها في لونها
بيضاء من أحسن الألوان، وفي طعمها
لذة للشاربين يتلذذ شاربها بها وقت شربها وبعده، وأنها سالمة من غول العقل وذهابه، ونزفه، ونزف مال صاحبها، وليس فيها صداع ولا كدر.
(48-49) فلما ذكر طعامهم وشرابهم ومجالسهم، وعموم النعيم وتفاصيله داخلة في قوله:
جنات النعيم
لكن فصل هذه الأشياء لتعلم فتشتاق النفوس إليها، ذكر أزواجهم فقال:
وعندهم قاصرات الطرف عين أي: وعند أهل دار النعيم، في محلاتهم القريبة، حور حسان، كاملات الأوصاف، قاصرات الطرف، إما أنها
[ ص: 1470 ] قصرت طرفها على زوجها، لعفتها وعدم مجاوزته لغيره، ولجمال زوجها وكماله، بحيث لا تطلب في الجنة سواه، ولا ترغب إلا به، وإما لأنها قصرت طرف زوجها عليها، وذلك يدل على كمالها وجمالها الفائق، الذي أوجب لزوجها، أن يقصر طرفه عليها، وقصر الطرف أيضا يدل على قصر النفس والمحبة عليها، وكلا المعنيين محتمل، وكلاهما صحيح.
وكل هذا يدل على جمال الرجال والنساء في الجنة، ومحبة بعضهم بعضا، محبة لا يطمح إلى غيره، وشدة عفتهم كلهم، وأنه لا حسد فيها ولا تباغض، ولا تشاحن، وذلك لانتفاء أسبابه.
عين أي: حسان الأعين جميلاتها، ملاح الحدق.
كأنهن أي: الحور
بيض مكنون أي: مستور، وذلك من حسنهن وصفائهن وكون ألوانهن أحسن الألوان وأبهاها، ليس فيه كدر ولا شين.