أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رءوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين إلا عباد الله المخلصين [ ص: 1472 ] (62)
أذلك خير أي: ذلك النعيم الذي وصفناه لأهل الجنة خير، أم العذاب الذي يكون في الجحيم من جميع أصناف العذاب؟ فأي الطعامين أولى؟ الطعام الذي وصف في الجنة
أم طعام أهل النار؟ وهو
شجرة الزقوم .
(63-66
إنا جعلناها فتنة أي عذابا ونكالا
للظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي.
إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم أي: وسطه فهذا مخرجها، ومعدنها شر المعادن وأسوؤها، وشر المغرس، يدل على شر الغراس وخسته، ولهذا نبهنا الله على شرها بما ذكر أين تنبت به، وبما ذكر من صفة ثمرتها، وأنها كرءوس الشياطين، فلا تسأل بعد هذا عن طعمها، وما تفعل في أجوافهم وبطونهم، وليس لهم عنها مندوحة ولا معدل.
ولهذا قال:
فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون فهذا طعام أهل النار، فبئس الطعام طعامهم.
(67) ثم ذكر شرابهم فقال:
ثم إن لهم عليها أي: على أثر هذا الطعام
لشوبا من حميم أي: ماء حارا، قد تناهى حره كما قال تعالى:
وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا وكما قال تعالى:
وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم
(68)
ثم إن مرجعهم أي: مآلهم ومقرهم ومأواهم
لإلى الجحيم ليذوقوا من عذابه الشديد، وحره العظيم، ما ليس عليه مزيد من الشقاء.
(69-73) كأنه قيل: ما الذي أوصلهم إلى هذه الدار؟ فقال:
إنهم ألفوا أي: وجدوا
آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون أي: يسرعون في الضلال، فلم يلتفتوا إلى ما دعتهم إليه الرسل، ولا إلى ما حذرتهم عنه الكتب، ولا إلى أقوال الناصحين، بل عارضوهم بأن قالوا:
إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ولقد ضل قبلهم أي: قبل هؤلاء المخاطبين
أكثر الأولين وقليل منهم آمن واهتدى.
ولقد أرسلنا فيهم منذرين ينذرونهم عن غيهم وضلالهم،
فانظر كيف كان عاقبة المنذرين كانت عاقبتهم الهلاك، والخزي، والفضيحة، فليحذر هؤلاء أن يستمروا على ضلالهم، فيصيبهم مثل ما أصابهم.
[ ص: 1473 ] (74) ولما كان المنذرون ليسوا كلهم ضالين، بل منهم من آمن وأخلص الدين لله، استثناهم الله من الهلاك فقال:
إلا عباد الله المخلصين أي: الذين أخلصهم الله، وخصهم برحمته لإخلاصهم، فإن عواقبهم صارت حميدة. ثم ذكر نموذجا من عواقب الأمم المكذبين فقال: