وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من [ ص: 1523 ] دونه إذا هم يستبشرون قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون
يذكر تعالى حالة المشركين، وما الذي اقتضاه شركهم أنهم " إذا ذكر الله " توحيدا له، وأمر بإخلاص الدين له، وترك ما يعبد من دونه، أنهم يشمئزون وينفرون، ويكرهون ذلك أشد الكراهة.
وإذا ذكر الذين من دونه من الأصنام والأنداد، ودعا الداعي إلى عبادتها ومدحها،
إذا هم يستبشرون بذلك، فرحا بذكر معبوداتهم، ولكون الشرك موافقا لأهوائهم، وهذه الحال أشر الحالات وأشنعها، ولكن موعدهم يوم الجزاء. فهناك يؤخذ الحق منهم، وينظر: هل تنفعهم آلهتهم التي كانوا يدعون من دون الله شيئا؟
ولهذا قال
قل اللهم فاطر السماوات والأرض أي: خالقهما ومدبرهما.
عالم الغيب الذي غاب عن أبصارنا وعلمنا
والشهادة الذي نشاهده.
أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون وإن من أعظم الاختلاف اختلاف الموحدين المخلصين القائلين: إن ما هم عليه هو الحق، وإن لهم الحسنى في الآخرة دون غيرهم، والمشركين الذين اتخذوا من دونك الأنداد والأوثان، وسووا فيك من لا يسوى شيئا، وتنقصوك غاية التنقص، واستبشروا عند ذكر آلهتهم، واشمأزوا عند ذكرك، وزعموا مع هذا أنهم على الحق وغيرهم على الباطل، وأن لهم الحسنى.
قال تعالى:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد
وقد أخبرنا بالفصل بينهم بعدها بقوله:
هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد إلى أن قال:
إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير
وقال تعالى:
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ففي هذه الآية،
بيان عموم خلقه تعالى وعموم علمه، وعموم حكمه بين عباده، فقدرته التي نشأت عنها المخلوقات،
[ ص: 1524 ] وعلمه المحيط بكل شيء، دال على حكمه بين عباده وبعثهم، وعلمه بأعمالهم، خيرها وشرها، وبمقادير جزائها، وخلقه دال على علمه
ألا يعلم من خلق