وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون فلنذيقن الذين [ ص: 1571 ] كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين
يخبر تعالى عن إعراض الكفار عن القرآن، وتواصيهم بذلك، فقال:
وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن أي: أعرضوا عنه بأسماعكم، وإياكم أن تلتفتوا، أو تصغوا إليه ولا إلى من جاء به، فإن اتفق أنكم سمعتموه، أو سمعتم الدعوة إلى أحكامه، فـ " الغوا فيه " أي: تكلموا بالكلام الذي لا فائدة فيه، بل فيه المضرة، ولا تمكنوا -مع قدرتكم- أحدا يملك عليكم الكلام به، وتلاوة ألفاظه ومعانيه، هذا لسان حالهم، ولسان مقالهم، في الإعراض عن هذا القرآن،
لعلكم إن فعلتم ذلك
تغلبون وهذه شهادة من الأعداء، وأوضح الحق، ما شهدت به الأعداء، فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلا في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك، ومفهوم كلامهم، أنهم إن لم يلغوا فيه، بل استمعوا إليه، وألقوا أذهانهم، أنهم لا يغلبون، فإن الحق، غالب غير مغلوب، يعرف هذا، أصحاب الحق وأعداؤه.
ولما كان هذا ظلما منهم وعنادا، لم يبق فيهم مطمع للهداية، فلم يبق إلا عذابهم ونكالهم، ولهذا قال:
فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون وهو الكفر والمعاصي، فإنها أسوأ ما كانوا يعملون، لكونهم يعملون المعاصي وغيرها، فالجزاء بالعقوبة، إنما هو على عمل الشرك
ولا يظلم ربك أحدا ذلك جزاء أعداء الله الذين حاربوه، وحاربوا أولياءه، بالكفر والتكذيب، والمجادلة والمجالدة.
النار لهم فيها دار الخلد أي: الخلود الدائم، الذي لا يفتر عنهم العذاب ساعة، ولا هم ينصرون، وذلك
جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون فإنها آيات واضحة، وأدلة قاطعة مفيدة لليقين، فأعظم الظلم وأكبر العناد، جحدها، والكفر بها.
وقال الذين كفروا أي: الأتباع منهم، بدليل ما بعده، على وجه
[ ص: 1572 ] الحنق، على من أضلهم:
ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس أي: الصنفين اللذين، قادانا إلى الضلال والعذاب، من شياطين الجن، وشياطين الإنس، الدعاة إلى جهنم.
نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين أي: الأذلين المهانين كما أضلونا، وفتنونا، وصاروا سببا لنزولنا. ففي هذا، بيان حنق بعضهم على بعض، وتبري بعضهم من بعض.