إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد [ ص: 1576 ] الإلحاد في آيات الله: الميل بها عن الصواب، بأي وجه كان: إما بإنكارها وجحودها، وتكذيب من جاء بها، وإما بتحريفها وتصريفها عن معناها الحقيقي، وإثبات معان لها، ما أرادها الله منها.
فتوعد تعالى من اللحد فيها بأنه لا يخفى عليه، بل هو مطلع على ظاهره وباطنه، وسيجازيه على إلحاده بما كان يعمل، ولهذا قال:
أفمن يلقى في النار مثل الملحد بآيات الله
خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة من عذاب الله مستحقا لثوابه؟ من المعلوم أن هذا خير.
لما تبين الحق من الباطل، والطريق المنجي من عذابه من الطريق المهلك قال:
اعملوا ما شئتم إن شئتم، فاسلكوا طريق الرشد الموصلة إلى رضا ربكم وجنته، وإن شئتم، فاسلكوا طريق الغي المسخطة لربكم، الموصلة إلى دار الشقاء.
إنه بما تعملون بصير يجازيكم بحسب أحوالكم وأعمالكم، كقوله تعالى:
وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
ثم قال تعالى:
إن الذين كفروا بالذكر أي: يجحدون القرآن الكريم المذكر للعباد جميع مصالحهم الدينية والدنيوية والأخروية، المعلي لقدر من اتبعه،
لما جاءهم نعمة من ربهم على يد أفضل الخلق وأكملهم. ( و ) الحال " إنه لكتاب " جامع لأوصاف الكمال
عزيز أي: منيع من كل من أراده بتحريف أو سوء، ولهذا قال:
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أي: لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه كما قال تعالى:
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون تنزيل من حكيم في خلقه وأمره، يضع كل شيء موضعه، وينزله منزله.
حميد على ما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وعلى ما له من العدل والإفضال، فلهذا كان كتابه، مشتملا على تمام الحكمة، وعلى تحصيل المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار، التي يحمد عليها.