لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض
هذا إخبار عن طبيعة الإنسان، من حيث هو، وعدم صبره وجلده، لا على الخير ولا على الشر، إلا من نقله الله من هذه الحال إلى حال الكمال، فقال:
لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي: لا يمل دائما، من دعاء الله، في الغنى والمال والولد، وغير ذلك من مطالب الدنيا، ولا يزال يعمل على ذلك، ولا يقتنع بقليل، ولا كثير منها، فلو حصل له من الدنيا، ما حصل، لم يزل طالبا للزيادة.
وإن مسه الشر أي: المكروه، كالمرض، والفقر، وأنواع البلايا
فيئوس قنوط أي: ييأس من رحمة الله تعالى، ويظن أن هذا البلاء هو القاضي عليه بالهلاك، ويتشوش من إتيان الأسباب، على غير ما يحب ويطلب.
إلا الذين آمنوا
[ ص: 1580 ] وعملوا الصالحات، فإنهم إذا أصابهم الخير والنعمة والمحاب، شكروا الله تعالى، وخافوا أن تكون نعم الله عليهم، استدراجا وإمهالا وإن أصابتهم مصيبة في أنفسهم وأموالهم، وأولادهم، صبروا، ورجوا فضل ربهم، فلم ييأسوا.
ثم قال تعالى:
ولئن أذقناه أي: الإنسان الذي يسأم من دعاء الخير، وإن مسه الشر فيئوس قنوط
رحمة منا أي: بعد ذلك الشر الذي أصابه، بأن عافاه الله من مرضه، أو أغناه من فقره، فإنه لا يشكر الله تعالى، بل يبغي، ويطغى، ويقول:
هذا لي أي: أتاني لأني له أهل، وأنا مستحق له
وما أظن الساعة قائمة وهذا إنكار منه للبعث، وكفر للنعمة والرحمة، التي أذاقها الله له.
ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى أي: على تقدير إتيان الساعة، وأني سأرجع إلى ربي، إن لي عنده، للحسنى، فكما حصلت لي النعمة في الدنيا، فإنها ستحصل لي في الآخرة وهذا من أعظم الجراءة والقول على الله بلا علم، فلهذا توعده بقوله:
فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ أي: شديد جدا.
وإذا أنعمنا على الإنسان بصحة، أو رزق، أو غيرهما
أعرض عن ربه وعن شكره
ونأى ترفع
بجانبه عجبا وتكبرا.
وإن مسه الشر أي: المرض، أو الفقر، أو غيرهما
فذو دعاء عريض أي: كثير جدا، لعدم صبره،
فلا صبر في الضراء، ولا شكر في الرخاء، إلا من هداه الله ومن عليه.