وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور
لما قال المكذبون لرسل الله، الكافرون بالله:
لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية من كبرهم وتجبرهم، رد الله عليهم بهذه الآية الكريمة، وأن تكليمه تعالى لا يكون إلا لخواص خلقه، للأنبياء والمرسلين، وصفوته من العالمين، وأنه يكون على أحد هذه الأوجه.
إما أن يكلمه الله وحيا بأن يلقي الوحي في قلب الرسول، من غير إرسال ملك، ولا مخاطبة منه شفاها.
أو يكلمه منه شفاها، لكن
من وراء حجاب كما حصل
لموسى بن عمران، كليم الرحمن.
أو يكلمه الله بواسطة الرسول الملكي، فـ
يرسل رسولا كجبريل أو غيره من الملائكة.
فيوحي بإذنه أي: بإذن ربه، لا بمجرد هواه،
إنه تعالى علي الذات، علي الأوصاف، عظيمها، علي الأفعال، قد قهر كل شيء، ودانت له المخلوقات. حكيم في وضعه كل شيء في موضعه، من المخلوقات والشرائع.
[ ص: 1602 ] وكذلك حين أوحينا إلى الرسل قبلك
أوحينا إليك روحا من أمرنا وهو هذا القرآن الكريم، سماه روحا، لأن الروح يحيا به الجسد،
والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير.
وهو محض منة الله على رسوله وعباده المؤمنين، من غير سبب منهم، ولهذا قال:
ما كنت تدري أي: قبل نزوله عليك
ما الكتاب ولا الإيمان أي: ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية، بل كنت أميا لا تخط ولا تقرأ، فجاءك هذا الكتاب الذي
جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم.
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم أي: تبينه لهم وتوضحه، وتنيره وترغبهم فيه، وتنهاهم عن ضده، وترهبهم منه، ثم فسر الصراط المستقيم فقال:
صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض
أي: الصراط الذي نصبه الله لعباده، وأخبرهم أنه موصل إليه وإلى دار كرامته،
ألا إلى الله تصير الأمور أي: ترجع جميع أمور الخير والشر، فيجازي كلا بحسب عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
تم تفسير سورة الشورى، والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، على تيسيره وتسهيله.