محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما
يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجل الأحوال، وأنهم
أشداء على الكفار أي: جادون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون،
رحماء بينهم أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق فإنك
تراهم ركعا سجدا أي: وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود.
[ ص: 1677 ] يبتغون بتلك العبادة
فضلا من الله ورضوانا أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه.
سيماهم في وجوههم من أثر السجود أي: قد أثرت العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم.
ذلك المذكور
مثلهم في التوراة أي: هذا وصفهم الذي وصفهم الله به، مذكور بالتوراة هكذا.
وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم
كزرع أخرج شطأه فآزره أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء.
فاستغلظ ذلك الزرع أي: قوي وغلظ
فاستوى على سوقه جمع ساق،
يعجب الزراع من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة رضي الله عنهم، هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال:
ليغيظ بهم الكفار حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال، ومعامع القتال.
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما فالصحابة رضي الله عنهم، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، قد جمع الله لهم بين المغفرة، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة.
ولنسق قصة
الحديبية بطولها، كما ساقها الإمام
شمس الدين بن القيم في ( الهدي النبوي ) فإن فيها إعانة على فهم هذه السورة، وتكلم على معانيها وأسرارها، قال -رحمه الله تعالى:- فصل في قصة
الحديبية
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع: كانت سنة ست في ذي القعدة، وهذا هو الصحيح، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=17177وموسى بن عقبة، nindex.php?page=showalam&ids=16903ومحمد بن إسحاق وغيرهم.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة، عن أبيه: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
الحديبية في رمضان، وكانت في شوال، وهذا
[ ص: 1678 ] وهم، وإنما كانت غزاة الفتح في رمضان. قال
nindex.php?page=showalam&ids=11822أبو الأسود عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة: إنها كانت في ذي القعدة على الصواب.
وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، nindex.php?page=hadith&LINKID=653833أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، كلهن في ذي القعدة، فذكر منهن عمرة
الحديبية، وكان معه ألف وخمسمائة، هكذا في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر، وعنه فيهما: كانوا ألفا وأربعمائة، وفيهما، عن
nindex.php?page=showalam&ids=51عبد الله بن أبي أوفى: كنا ألفا وثلاثمائة، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: قلت
nindex.php?page=showalam&ids=15990لسعيد بن المسيب: كم كان الجماعة الذين شهدوا بيعة الرضوان؟ قال: خمس عشرة مائة، قال: قلت: فإن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال: كانوا أربع عشرة مائة، قال: يرحمه الله وهم، وهو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة، قلت: وقد صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر القولان، وصح عنه أنهم نحروا عام
الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة، فقيل له: كم كنتم؟ قال: ألفا وأربعمائة، بخيلنا ورجلنا، يعني: فارسهم وراجلهم.
والقلب إلى هذا أميل، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب، nindex.php?page=showalam&ids=249ومعقل بن يسار، nindex.php?page=showalam&ids=119وسلمة بن الأكوع، في أصح الروايتين، وقول
المسيب بن حزن، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب، عن أبيه:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ألفا وأربعمائة، وغلط غلطا بينا من قال: كانوا سبعمائة، وعذره أنهم نحروا يومئذ سبعين بدنة، والبدنة قد جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة، وهذا لا يدل على ما قاله هذا القائل، فإنه قد صرح بأن البدنة كانت في هذه الغزوة عن سبعة، فلو كانت السبعون عن جميعهم، لكانوا أربعمائة وتسعين رجلا وقد قال بتمام الحديث بعينه، أنهم كانوا ألفا وأربعمائة. فصل
فلما كانوا
بذي الحليفة، قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث عينا له بين يديه من
خزاعة، يخبره عن
قريش، حتى إذا كانوا قريبا من
عسفان، أتاه عينه، فقال: إني قد تركت
كعب بن لؤي، قد جمعوا لك
الأحابيش، وجمعوا لك جموعا، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت.
nindex.php?page=hadith&LINKID=652529واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن [ ص: 1679 ] قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا تكن عنقا قطعها الله، أم ترون أن نؤم البيت؟ فمن صدنا عنه قاتلناه؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر: الله ورسوله أعلم، إنما جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فروحوا إذا" فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن nindex.php?page=showalam&ids=22خالدا بن الوليد بالغميم في خيل لقريش، فخذوا ذات اليمين" ، فوالله ما شعر بهم nindex.php?page=showalam&ids=22خالد، حتى إذا هو بغبرة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش.
وسار النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت راحلته، فقال الناس: حل حل، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل" ثم قال:"والذي نفسي بيده، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتموها" ثم زجرها، فوثبت به، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية، على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبث الناس أن نزحوه، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش.
فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوها فيه، قال: فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنها، وفزعت قريش لنزوله عليهم، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه، فدعا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم، فقال: يا رسول الله، ليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي، إن أوذيت، فأرسل nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، وإنه مبلغ ما أردت.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان، فأرسله إلى قريش، وقال:"أخبرهم أنا لم نأت لقتال، إنما جئنا عمارا، وادعهم إلى الإسلام"
وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين، ونساء مؤمنات، فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة، حتى لا يستخفى فيها بالإيمان، فانطلق nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان، فمر على قريش ببلدح، فقالوا: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ونخبركم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمارا، قالوا: قد سمعنا ما تقول، فانفذ لحاجتك.
وقام إليه nindex.php?page=showalam&ids=11786أبان بن سعيد بن العاص، فرحب به، وأسرج فرسه، فحمل nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان على الفرس، فأجاره، وأردفه nindex.php?page=showalam&ids=11786أبان حتى جاء مكة، وقال المسلمون قبل أن يرجع nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان: خلص nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان قبلنا إلى البيت وطاف به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون" فقالوا: [ ص: 1680 ] وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص؟ قال:"ذاك ظني به، أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف معه" واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح، فرمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر، وكانت معركة، وتراموا بالنبل والحجارة، وصاح الفريقان كلاهما، وارتهن كل واحد من الفريقين بمن فيهم،
nindex.php?page=hadith&LINKID=652529وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان قد قتل، فدعا إلى البيعة.
فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه، وقال: "هذه عن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان" ولما تمت البيعة، رجع nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان، فقال له المسلمون: اشتفيت يا nindex.php?page=showalam&ids=7أبا عبد الله من الطواف بالبيت، فقال: بئسما ظننتم بي، والذي نفسي بيده، لو مكثت بها سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، مقيم بالحديبية، ما طفت بها حتى يطوف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت، فقال المسلمون: رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أعلمنا بالله، وأحسننا ظنا .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر آخذا بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة تحت الشجرة، فبايعه المسلمون كلهم إلا
الجد ابن قيس، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=249معقل بن يسار، أخذ بغصنها يرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول من بايعه،
أبو سنان الأسدي، وبايعه
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع ثلاث مرات، في أول الناس، وأوسطهم، وآخرهم.
فبينما هم كذلك، إذ جاء
بديل بن ورقاء الخزاعي، في نفر من
خزاعة، وكانوا عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل
تهامة، فقال: إني تركت
كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، نزلوا أعداد مياه
الحديبية، معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652529 "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا أماددهم ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن أبوا إلا القتال، فوالذي نفسي بيده، لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره" قال
بديل: سأبلغهم ما تقول.
فانطلق حتى أتى
قريشا، فقال: إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قولا فإن شئتم عرضته عليكم، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي: منهم: هات ما سمعته، قال: سمعته يقول كذا وكذا، فقال
عروة بن مسعود الثقفي: إن هذا قد عرض
[ ص: 1681 ] عليكم خطة رشد، فاقبلوها، ودعوني آته، فقالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلمه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله
لبديل، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عند ذلك: أي:
محمد، أرأيت لو استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فوالله إني لأرى وجوها، وأرى أوباشا من الناس، خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ قال: من ذا؟ قال:
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك.
وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما كلمه أخذ بلحيته،
nindex.php?page=showalam&ids=19والمغيرة بن شعبة على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف، وعليه المغفر فكلما أهوى
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة رأسه، وقال: من ذا؟ قال:
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة، فقال: أي: غدر، أولست أسعى في غدرتك؟ وكان
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة صحب قوما في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652529 "أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء"
ثم إن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله إن تنخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة، إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها جلده ووجهه.
وإذا أمرهم ابتدروا إلى أمره، وإذا توضأ، كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم، خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر، تعظيما له.
فرجع
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، على
كسرى، وقيصر، nindex.php?page=showalam&ids=888والنجاشي، والله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه، ما يعظم أصحاب
محمد محمدا، والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم، خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
فقال رجل من
بني كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته.
فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652529 "هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له" فبعثوها فاستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك، قال: سبحان الله، لا ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت.
فرجع إلى أصحابه، فقال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، وما أرى أن يصدوا عن البيت فقام
مكرز بن حفص، وقال: دعوني آته، فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652529 "هذا مكرز بن حفص، وهو رجل فاجر" فجعل يكلم
[ ص: 1682 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يكلمه، إذ جاء
nindex.php?page=showalam&ids=3795سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"قد سهل لكم من أمركم" فقال: هات، اكتب بيننا وبينك كتابا، فدعا الكاتب، فقال: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما ندري ما هو، ولكن اكتب: "باسمك اللهم" كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب باسمك اللهم"
ثم قال: "اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله " فقال سهيل: فوالله لو نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني رسول الله وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به" فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل، فكتب.
فقال سهيل: على أن لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك، إلا رددته علينا.
فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟
فبينما هم كذلك إذ جاء nindex.php?page=showalam&ids=142أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما قاضيتك عليه، أن ترده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نقض الكتاب بعد" فقال: فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأجزه لي" فقال: ما أنا بمجيزه لك، فقال:"بلى فافعل" قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: قد أجزناه.
فقال nindex.php?page=showalam&ids=142أبو جندل: يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما لقيت؟ وكان قد عذب في الله عذابا شديدا.
قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ألست نبي الله؟ قال:"بلى" قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال:"بلى" فقلت: علام نعطي الدنية في ديننا إذا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا؟ فقال: "إني رسول الله، وهو ناصري، ولست أعصيه" قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟" قلت: لا قال: "فإنك آتيه ومطوف به"
قال: فأتيت nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر، فقلت له كما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر كما رد [ ص: 1683 ] عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء، وزاد: فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق، قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: فعملت لذلك أعمالا.
فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا وانحروا، ثم احلقوا" فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا رسول الله أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلق لك، فقام فخرج، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاءت نسوة مؤمنات، فأنزل الله عز وجل: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق nindex.php?page=showalam&ids=2عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية، والأخرى nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية، ثم رجع إلى المدينة.
وفي مرجعه أنزل الله عليه: إنا فتحنا لك فتحا مبينا إلى آخرها، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: أفتح هو يا رسول الله؟ فقال: "نعم" فقال الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله، فما لنا؟
فأنزل الله عز وجل: هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين
الآية. انتهى.
وهذا آخر تفسير سورة الفتح ولله الحمد والمنة
وصلى الله على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه، نقلته من خط المفسر رحمه الله وعفا عنه، وكان الفراغ من كتابته في 13 ذي الحجة 1345 وصلى الله على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين آمين.
بقلم الفقير إلى ربه سليمان بن حمد العبد الله البسام. غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .