[ ص: 1696 ] تفسير سورة ق
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ
يقسم تعالى بالقرآن المجيد أي: وسيع المعاني عظيمها، كثير الوجوه كثير البركات، جزيل المبرات. والمجد: سعة الأوصاف وعظمتها، وأحق كلام يوصف بهذا، هذا القرآن، الذي قد احتوى على علوم الأولين والآخرين، الذي حوى من الفصاحة أكملها، ومن الألفاظ أجزلها، ومن المعاني أعمها وأحسنها، وهذا موجب لكمال اتباعه، و سرعة الانقياد له، وشكر الله على المنة به.
ولكن أكثر الناس، لا يقدر نعم الله قدرها، ولهذا قال تعالى:
بل عجبوا أي: المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم،
أن جاءهم منذر منهم أي: ينذرهم ما يضرهم، ويأمرهم بما ينفعهم، وهو من جنسهم، يمكنهم التلقي عنه، ومعرفة أحواله وصدقه.
فتعجبوا من أمر، لا ينبغي لهم التعجب منه، بل يتعجب من عقل من تعجب منه.
فقال الكافرون الذين حملهم كفرهم وتكذيبهم، لا نقص بذكائهم وآرائهم .
هذا شيء عجيب أي: مستغرب، وهم في هذا الاستغراب بين أمرين:
إما صادقون في استغرابهم و تعجبهم، فهذا يدل على غاية جهلهم، وضعف عقولهم، بمنزلة المجنون، الذي يستغرب كلام العاقل، وبمنزلة الجبان الذي يتعجب من لقاء الفارس للفرسان، وبمنزلة البخيل، الذي يستغرب سخاء أهل السخاء، فأي ضرر يلحق من تعجب من هذه حاله ؟ وهل تعجبه، إلا دليل على زيادة جهله وظلمه؟ وإما أن يكونوا متعجبين، على وجه يعلمون خطأهم فيه، فهذا من أعظم الظلم وأشنعه.
ثم ذكر وجه تعجبهم فقال:
أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد فقاسوا قدرة من هو على كل شيء قدير، الكامل من كل وجه، بقدرة العبد الفقير
[ ص: 1697 ] العاجز من جميع الوجوه، وقاسوا الجاهل، الذي لا علم له، بمن هو بكل شيء عليم، الذي يعلم ما تنقص الأرض من أجسادهم مدة مقامهم في البرزخ، وقد أحصى في كتابه الذي هو عنده محفوظ عن التغيير والتبديل، كل ما يجري عليهم في حياتهم، ومماتهم، وهذا استدلال بكمال سعة علمه، التي لا يحيط بها إلا هو، على قدرته على إحياء الموتى.