أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى أم للإنسان ما تمنى فلله الآخرة والأولى
لما ذكر تعالى ما جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، والأمر بعبادة الله وتوحيده، ذكر بطلان ما عليه المشركون من عبادة من ليس له من
[ ص: 1733 ] أوصاف الكمال شيء، ولا تنفع ولا تضر، وإنما هي أسماء فارغة عن المعنى، سماها المشركون هم وآباؤهم الجهال الضلال، ابتدعوا لها من الأسماء الباطلة التي لا تستحقها، فخدعوا بها أنفسهم وغيرهم من الضلال، فالآلهة التي بهذه الحال، لا تستحق مثقال ذرة من العبادة، وهذه الأنداد التي سموها بهذه الأسماء، زعموا أنها مشتقة من أوصاف هي متصفة بها، فسموا "اللات" من "الإله" المستحق للعبادة، و"العزى" من "العزيز" و"مناة" من "المنان" إلحادا في أسماء الله وتجريا على الشرك به، وهذه أسماء متجردة من المعاني، فكل من له أدنى مسكة من عقل، يعلم بطلان هذه الأوصاف فيها.
ألكم الذكر وله الأنثى أي: أتجعلون لله البنات بزعمكم، ولكم البنون؟
تلك إذا قسمة ضيزى أي: ظالمة جائرة، وأي ظلم أعظم من قسمة تقتضي تفضيل العبد المخلوق على الخالق؟ تعالى عن قولهم علوا كبيرا .
وقوله:
إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان أي: من حجة وبرهان على صحة مذهبكم، وكل أمر ما أنزل الله به من سلطان، فهو باطل فاسد، لا يتخذ دينا، وهم -في أنفسهم- ليسوا بمتبعين لبرهان، يتيقنون به ما ذهبوا إليه، وإنما دلهم على قولهم، الظن الفاسد، والجهل الكاسد، وما تهواه أنفسهم من الشرك، والبدع الموافقة لأهويتهم، والحال أنه لا موجب لهم يقتضي اتباعهم الظن، من فقد العلم والهدى، ولهذا قال تعالى:
ولقد جاءهم من ربهم الهدى أي: الذي يرشدهم في باب التوحيد والنبوة، وجميع المطالب التي يحتاج إليها العباد، فكلها قد بينها الله أكمل بيان وأوضحه، وأدله على المقصود، وأقام عليه من الأدلة والبراهين، ما يوجب لهم ولغيرهم اتباعه، فلم يبق لأحد عذر ولا حجة من بعد البيان والبرهان، وإذا كان ما هم عليه، غايته اتباع الظن، ونهايته الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، فالبقاء على هذه الحال، من أسفه السفه، وأظلم الظلم، ومع ذلك يتمنون الأماني، ويغترون بأنفسهم. ولهذا أنكر تعالى على من زعم أنه يحصل له ما تمنى وهو كاذب في ذلك، فقال:
أم للإنسان ما [ ص: 1734 ] تمنى فلله الآخرة والأولى فيعطي منهما من يشاء، ويمنع من يشاء، فليس الأمر تابعا لأمانيهم، ولا موافقا لأهوائهم.